Article المقال ( Octobre )




 

دور المواطن في مكافحة ارتفاع سعر العملة، وغلاء الأسعار 

ومساندة الدولة في الأزمة


إعداد

دكتور/ محمد مصطفي محروس



ليس هناك حديث للناس في المقاهي أو الشوارع أو على صفحات التواصل الاجتماعي وحتى داخل البيوت، إلا عن تأثير الأزمة العالمية للوضع الاقتصادي، وما ترتب عليه من ارتفاع الأسعار؛ فبعد أيام قليلة من نشوب الحرب الروسية وأوكرانيا وبدء الصراع مع أوروبا، ظهر اضطراب في الوضع الاقتصادي العالمي، وبما أن دولة مصر جزء من العالم، فكان من الطبيعي أن تتأثر بهذا الارتفاع المطرد في الأسعار.

لكن بعض الزيادات في الأسعار حدثت بشكل مبالغ فيه، بل لا يندرج تحت أي أساس من المنطق؛ فالدولة المصرية ممثلة في الحكومة لم ترفع أسعار السلع والخدمات منذ بداية الأزمة وحتى الآن، ومازالت بطاقات التموين تصرف بنفس أسعار الشهور الماضية، لكن السادة التجار قاموا برفع أسعار المنتجات الاستهلاكية، وبدون أي مبرر، حيث أن هذه السلع كانت مخزنة لديهم، إلا أنهم اختاروا أن يرفعوا أسعار السلع في هذا التوقيت من أجل أن يحققوا المكاسب المادية الأكبر والأسرع، حتى لو تسبب ذلك في زيادة العبء على كاهل المواطنين لاسيما محدودي الدخل منهم.

كما تشهد الأسواق بمختلف محافظات مصر، في الفترة الحالية، موجة قوية من الغلاء طالت معظم السلع الغذائية الأساسية، علاوة على ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة والأسمدة والمبيدات الزراعية‏،‏ ويرجع سبب الغلاء إلى الحرب الاقتصادية الشعواء التي تستهدف الدولة من كل الاتجاهات، كما يرجع سبب تفاقم الأزمة إلى جشع التجار ورفع الأسعار غير المبرر، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب دون النظر إلى حالة المواطنين البسطاء‏.

هذا بالإضافة إلي ارتفاع سعر الدولار، والذي يتم التلاعب به في السوق الموازية (السودة)، بأرقام خرافية كل يوم، وأيضًا بالنسبة لكثير من البلدان أدي تراجع عملاتها أمام الدولار إلي زيادة صعوبة مكافحة التضخم، ولا يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلا إلى تفاقم هذه الضغوط، وخاصة بالنسبة لبعض الأسواق الصاعدة وكثير من البلدان منخفضة الدخل التي باتت بالفعل مهددة ببلوغ مستوى المديونية الحرج.

كما أن أسعار معظم السلع الأولية محسوبةً بقيمة الدولار قد تراجعت عن مستويات ذروتها بفعل المخاوف من ركود عالمي وشيك، فارتفاع أسعار السلع بشكل مخيف بشكل يومي، خصوصًا السلع الأساسية منها؛ فإن الأسعار ترتفع بشكل يومي تقريبًا، والأمر لا يتوقف على سلع محددة بعينها، بل إن موجة الارتفاع طالت كل شيء.

لذلك فإن الوضع حاليًا يتطلب الانتباه إلى أهمية وجود تحركات جادة من الدولة، وكذلك من الموطن من أجل مواجهة هذا التلاعب الذي ينطوي أيضًا على احتكار بعض السلع والمنتجات، مما ينتج عنه أزمة جديدة، وهذا ما تقوم به الحكومة حاليًا.

كذلك يتطلب الوضع الحالي من المواطنين محاولة الترشيد في الاستهلاك قدر الإمكان، خصوصًا في تلك السلع التي زادت أسعارها بشكل مبالغ فيه؛ ففي كثير من الأحيان تتوقف زيادة الأسعار على قرار المستهلك. 

لذلك؛ فالمستهلك هو الذي يمكنه أن يجعل سعر سلعة أو خدمة معينة يتزايد، نتيجة إقباله عليها، وفقا لسياسة العرض والطلب؛ لذلك فأحد أهم الحلول لمواجهة أزمة زيادة الأسعار يعتمد على المواطن، وطريقة الاستهلاك التي يقوم بها. 

ومن وجهة نظر سوسيولوجية؛ يظهر لنا:

مدخل الاتجاهات:

حيث يحظى مفهوم الاتجاه باهتمام كبير من جانب الباحثين، وعلى الرغم من عدم وجـود؛ إذ أن هنـاك اختلافـات واضـحة بين وجهات النظر حـول مفهـوم الاتجـاه، إلا أن معظـم الآراء اتفقـت علـى أن الاتجـاه يمثـل مرحلة سابقة للاستجابة أو السلوك، وعلى أن الاتجـاه يتكـون حـول موضـوع أو شـخص أو شيء معين، وأنـه يـرتبط بالاسـتجابة أو السـلوك بشـكل تفصـيلي أي مـن حيـث الـرفض أو القبول لأي مما سبق، وأن هناك ارتباط بين مكونات الاتجاه، فالمكون المعرفي للاتجاه يؤثر على المكون الوجداني الذى يؤثر بـدوره علـى الميـل السـلوكي نحـو موضـوع الاتجـاه، كمـا أن المكون الوجداني والميل السلوكي يتوقفان على المكون المعرفي.

والاتجاهـات عبـارة عـن الميـول الناتجـة عـن الـتعلم أو الخبـرات السـابقة التـي تجعـل الفرد يتصرف تصرفًا ثابتًا نسبيًا نحو هذا الشيء، فهي تعبير عن الميول لدى الأفـراد مـن خلال التعلم، أي تعبير عمـا يحبـه الفـرد أو يكرهـه، وهـي مسـتمرة وذات ديمومـة لمجموعـة من الاعتقادات بشأن شيء ما أو حالة معينة.

إذن؛ كيف يتم توظيف مدخل الاتجاهات في هذه المقالة:

1 – دراسة العلاقة بين غلاء الأسعار والأزمة الاقتصادية.

2 – دراسة اتجاه الموطن نحو الشراء مع العلم أن السعر مبالغ فيه.

3 – كيفية تضمين البرامج الحوارية لثقافة المقاطعة لأي منتج يرتفع سعره.

4 – كيفية مواجهة جشع التجار من المواطن أولاً، ثم من الدولة.

5 – تفعيل ثقافة عدم إلقاء اللوم علي الدولة في كل شيء.

6 – لا يجوز أن ننجب أربع وخمس أطفال وأكثر، ثم نطلب من الدولة زيادة في المرتبات وضبط الأسعار، وبناء مدارس ومستشفيات وغيره. 

7 – من الضروري الاهتمام والارتقاء بنوعية من البـرامج الحوارية علـى مسـتوى الأداء الإعلامي، فيجب الارتقاء بالمستوى الفني والوظيفي لهذه البرامج حتـى تصـبح برامج فاعلة في المجتمع، وتكون على حق حلقة وصل بين المواطن والمسئولين.

8 – ضرورة عرض قائمة بأسعار السلع الاستراتيجية يوميًا علي قنوات التليفزيون الرسمية بالأسعار الرسمية الحكومية حتي لا يتلاعب السوق بهذه الأسعار يوميًا.   

وبين جشع والاستغلال تتجه بعض الذمم الخربة نحو تعطيل مسيرة الوطن في التنمية، بسبب ما قد يفعلونه بمنظومة الأسعار الخاصة بالسلع الأساسية والضرورية للمواطنين، لنجد أن بعض هؤلاء التجار معدومي الضمير يتخذون من بضاعتهم سبيلا للثراء الفاحش، برفع أسعارها بشكل يتجاوز حدود ضعف تكلفتها.

ويتخذ هؤلاء من ارتفاع سعر الدولار، حجة مسمومة نحو هذا التسعير المجحف، حتى وإن كانت بعض تلك السلع المقدمة صناعة محلية غير مرتبطة أساسا بتغيير سعر الصرف الأجنبي.

ولذا؛ فيجب على المتضررين الإبلاغ عن الذين يبيعون السلع بأكثر من سعرها الحقيقي، كما يجب علي الجهات المعنية والمختصة بهذا الشأن شن حملات لضبط الأسواق لمواجهة ارتفاع السلع غير المبرر في الأسواق من خلال الإبلاغ عن أي شكاوى أو مخالفة لديهم حتى يتمكنوا من اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين.

كما يستلزم من المواطنين استخدام سلاح المقاطعة لكل السلع التي تزيد أسعارها بشكل مبالغ فيه في الوقت الحالي علي الأقل، وذلك حتي يعود الانضباط للأسواق مرة أخرى، حيث أن الدولة تحاول مواجهة جشع التجار عن طريق محاولة ضبط الأسعار التي تشتعل باستمرار من خلال استهداف مبادرات مواجهة الغلاء عن طريق توفير السلع الغذائية خلال عدد من المناطق والمحافظات المختلفة من جهة، ومن خلال رفع وعي المواطنين في المقاطعة والإبلاغ عن الأسعار التي تنتهك جيوب المصريين، إلي جانب أهمية تغليظ العقوبة لتكون رادعة لمن تسول له نفسه أن يبتز ويغالي ويضارب في الأسعار من جهة أخرى. 

خليك إيجابي؛ هذا الشعار لابد من أن يستخدمه كافة المواطنين من أجل عدم انتشار ظاهرة الجشع المتفشية في السوق بصفة عامة. 

أيضًا خليك إيجابي وبلغ عن أي فرد يتاجر في العملة بأسعار أزيد من المعمول بها في البنوك، وهنا يأتي دور المواطن نفسه في مساندة الدولة بمسألة الرقابة والإبلاغ عن أي تجاوز في تقييم تلك الأسعار، وذلك حتى يتسنى للأجهزة الرقابية تفعيل دورها الإيجابي نحو محاربة ومكافحة جشع التجار، مع الأخذ في الاعتبار بضرورة تفعيل قانون أكثر ردعًا في مواجهة هؤلاء ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يهوون الكسب على حساب الآلام واحتياج المواطنين.

ووسط العديد من المطالبات بضرورة عودة ما يسمى (بالتسعيرة الجبرية) والتي ترتبط بأسعار تلك السلع بشكل متواتر ويومي حتى يكون هناك التزام نحو التقيد بسعر معين دون الخروج عنه، غير أن معطيات السوق الحديث ومفردات (العرض والطلب) قد يصعب معها تتبع هذا الأمر بشكل كامل؛ لنجد أن الدولة في بعض الأحيان تتخذ قرارًا تسعيريًا ملزمًا عندما تجد ثمة تجاوز من البعض في تقييم تلك الأسعار كما حدث مؤخرا في أسعار الأرز.

ولكن من المفترض أن هناك سلعًا أساسية لا يستغني عنها أي مواطن؛ فلابد من وضع تسعيرة جبرية لها، ولتكن سلع معينة لا يستغني عنها المواطنين في الغالب الأعم، وهذا ما فعلته العديد من الدول للحفاظ علي مستوي معيشي للمواطنين.

كذلك لابد من قرارات مهمة لمنع التلاعب بالأسعار ومواجهة جشع التجار مثل مد الحملات التفتيشية على الأسواق إلى (3) فترات يوميًا بدلًا من فترتين، إلي جانب وجود تنسيق مع عدة جهات رقابية للاشتراك في الحملات لمراقبة الأسواق. 

ومما سبق؛ هناك جهودًا كبيرة تبذل في موضوع ضبط الأسعار في السوق بلا شك، خاصة تلك المتعلقة بالاستهلاك المباشر للمواطن من خضروات ولحوم ودواجن بعد الارتفاع الذي حصل في الفترة الأخيرة؛ نتيجة عوامل عديدة أهمها موجة الغلاء العالمية الناتجة عن الأزمة الأوكرانية وجائحة فيروس كورونا وارتفاع كلف الشحن والنقل العالمية، ولكن الأهم من هذه القرارات هو قرار المواطن نفسه.  

فما تفعله الحكومة خلال الفترة الماضية متمثلة في وزارة التموين عبر معارض مثل «أهلا رمضان» و«أهلا مدراس»، بكل تأكيد تستحق الإشادة لأنها لعبت دورًا كبيرًا في التخفيف على كاهل المواطنين، لكن هذا يعد بمثابة الدواء المسكن للأمراض فقط، فنحن في حاجة إلى خطة محكمة للسيطرة على السوق من أجل منع تفشى سرطان ارتفاع الأسعار والتصدي لجشع السادة الكبار التجار.


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Décembre )