Article المقال ( Novembre )



 



   جورج طرابيشي 

(1939-2016)



بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب

جامعة الإسكندرية










 

  

أطلق عليه أدباء سوريا ومفكروها لقب "فولتير العرب" لمساهماته الموسوعية والمئات من الكتب والمقالات، التي أفنى عمراً في تزويد الفكر والعقل العربي بها، من خلال مسيرة حافلة كمترجم وناقد أدبي ومفكر فلسفي، أثرى المكتبة العربية بأصالة وتفرد يندر أن نجد لهما مثيلاً في الثقافة العربية المعاصرة.

كانت سوريا القرن العشرين مركزاً عربياً اشعاعياً متميزاً، قبل أن تعصف بها أهواء الحرب الأهلية والإبادة الجماعية والهجرة إلى كافة بقاع الأرض، بعد أن كانت رمزاً للعطاء من خلال شعر أدونيس وكتاباته، وهو رائد الشعر الحديث والمفكر العربي، الذي طالما أثر في أجيال من مفكرين وأدباء، ومن خلال تفوق المسرح السوري، الذي كان من أهم مؤلفيه سعد الله ونوس (1941-1997)، الذي أسس لحداثة مسرحية في العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

وقد ساهم جورج طرابيشي بمترجمات رأى فيها اثراء للعقل العربي الحديث في علم النفس (طرابيشي أهم مترجم لسيجموند فرويد)، وفلاسفة من أمثال هيجل وماركس، بالإضافة إلى جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، كما ألف موسوعة في تاريخ الفلسفة في العالم ما زالت من أهم المراجع في تراثنا الفلسفي الحديث.

ولد جورج طرابيشي لأسرة مسيحية محافظة، وكان مفرطاً في التدين، وكانت علاقته بوالده تتسم بالمعارضة والتحدي. ودرس طرابيشي اللغة العربية، قبل الحصول على دبلوم في العلوم التربوية، وكان شبابه الأول يتسم بالجدية والرغبة في الالتحاق بالعمل الحزبي، إذ انضم لحزب البعث، وأصبح من أقطاب جناحه اليساري بعد دراسته وترجمته لكارل ماركس وتاريخ الماركسية. وعلى الرغم من عمله مديراً للإذاعة السورية لفترة وجيزة، إلا أنه ساهم في انفتاحها على الثقافة الغربية المعاصرة وفكرها، إلى أن انتهى به المآل إلى السجن، الذي كاد أن يودي بحياته، فقرر التفرغ للبحث والكتابة فور اطلاق سراحه دون أن توجه إليه تهمة، أو يعرض على محكمة.

1.    الطرابيشي مترجماً

اهتم رفاعة الطهطاوي، رائد النهضة العربية الحديثة، بالترجمة، فأنشأ لها مؤسسة تعليمية خاصة – مدرسة الألسن – وتم بالفعل ترجمة المئات من المراجع في العلوم المختلفة، لخلق قاعدة علمية راسخة، وبداية للحاق بالعصر، والقدرة على انتاج العلوم والتكنولوجيا القادمة من أوروبا وتطبيقها.

وساهم أحمد لطفي السيد في التشجيع على الترجمة، بل وقام شخصياً بترجمة أرسطو للعربية. أما في مجال الأدب، فقد ترجم عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، كلاسيكيات المسرح اليوناني، وقام بالتعريف لأهم كتاب وأدباء فرنسا المعاصرين.

رأى جورج طرابيشي أهمية كبرى في ترجمة رائد علم النفس الحديث سيجموند فرويد (1856-1939)، وأدرك الأهمية القصوى لتخصصه الدقيق من ناحية، وأثر ذلك على الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بصفة عامة. وقام، بالفعل، بترجمة العديد من كتب فرويد إلى العربية، مع ملاحظة أنه لم يترجمها مباشرة عن كتابات فرويد الأصلية، بل عن ترجمتها الفرنسية.

ترجم طرابيشي أيضاً لكبار فلاسفة الوجودية من أمثال جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، بالإضافة إلى أعمال هيجل وكارل ماركس، واصدر موسوعة فلسفية، قام بتجميعها من مصادر فرنسية شتى.

 

2.    الطرابيشي ناقداً أدبياً

كان جورج طرابيشي متيماً بالفن الروائي، فكان أول من قدم رائعة "أليكسيس زوربا" إلى العربية، وكان – نظراً لتأثره بسيجموند فرويد – أول من طبق نظريات التحليل النفسي، فأصدر "عقدة أوديب في الرواية العربية"، علاوة على أهم أعماله النقدية على الإطلاق "شرق وغرب، رجولة وأنوثة"، وهي دراسة متعمقة في أزمة الحضارة والجنس في الرواية العربية.

ومن أعماله الهامة المتخصصة، دراسته لأعمال توفيق الحكيم، من البدايات في "أهل الكهف"، و"يوميات نائب في الأرياف"، إلى كتابات الحكيم العبثية في "يا طالع الشجرة"، و"مصير صرصار". وتناول الطرابيشي رحلة نجيب محفوظ الرمزية، في مرجع هام كان الكاتب الكبير من أول المعجبين به، وتلقى منه تهنئة خاصة اعتز بها طوال العمر.

 

3.    الطرابيشي فيلسوفاً

اعجب جورج طرابيشي بموسوعة الفيلسوف المغربي محمد الجابري، "في نقد العقل العربي"، فأثارت اهتمامه بتاريخ الفكر العربي والإسلامي، الذي انكب على دراسته لما لا يقل عن عشرين عاماً، مصدراً أهم مراجعه تحت عنوان "نقد النقد" في خمسة أجزاء، أصبحت تمثل أهم حوار تاريخي في الفلسفة العربية الحديثة بين المشرق والمغرب العربي.

 

لم ينل جورج طرابيشي، إلى يومنا هذا، ما يستحقه من الثناء والتقدير لكل ما قدمه كراهب فكر إلى وطنه العربي، مترجماً وناقداً ومفكراً.

 







Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )