Article المقال (Mars)

 




d   لست وحدك  c

 


بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب

جامعة الإسكندرية


 

شرفت بالاطلاع على النسخة الأصلية لهذا الكتاب القصير والمهم منذ حوالي عامين، قبل المراجعة والنشر. تحمست كثيراً لهذا المرجع الهام بقلم الدكتورة مونيكا جونز. وجونز استاذة جامعية وباحثة درّست الأدب الإنجليزي في جامعات مصر والولايات المتحدة وانجلترا، قبل أن تتفرغ لدراسة العلاج النفسي بالمملكة المتحدة وممارسته، وقد أصدرت جونز عدة كتب، لعل أهمها كتابها عن الملكة الإنجليزية أثيلفليد، الصادر في نسخته الإلكترونية عن دار نشر أمازون عام 2021.

 



أوصيت فور قراءتي لكتاب You Are Not Alone، بضرورة العمل على ترجمته لمختلف اللغات، ومنها العربية بالطبع، لسهولة أسلوبه، ومقدرة الكاتبة الفذة على تبسيط مفاهيم، بعضها معقد، لعلم النفس الإكلينيكي، وارشاداتها المبسطة العملية لكيفية التعامل مع المشاكل النفسية التي قد يتعرض لها الفرد العادي كنتيجة للقلق والاكتئاب وصعوبة التواصل، إلى باقي المشكلات التي تؤرقنا جميعاً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وقد سعدت بظهور You Are Not Alone، والنسخة العربية منه "لست وحدك" منذ أشهر قليلة.

تستهل كاتبة "لست وحدك" تصديرها للكتاب بقولها "هل أنت مكتئب ومتوتر؟ هل فقدت شخصاً عزيز عليك؟ هل تعاني من مشكلة شخصية لا تستطيع البوح بها لأحد من أصحابك أو من أفراد أسرتك، مثل الإدمان أو ايذاء النفس؟ ربما تحاول ايجاد وسيلة لتغيير سلوك ما؟ ستجد اجابة على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة في هذا الكتاب."

لعل هذا الأسلوب السهل الأقرب إلى الدردشة بين الأصدقاء منه إلى اللغة التخصصية الارشادية المليئة بالمصطلحات تعد من أهم انجازات هذه المقدمة المبسطة والواضحة لعلم النفس الباثولوجي، والموجهة أساساً للقارئ العادي في معاناته اليومية التي قد تصل إلى اشكالية تسبب حرجاً، وتثير قلقاً وخوفاً قد يصبح هلعاً من المستقبل.

تفرض ضغوط الحياة اليومية علينا جميعاً اختبارات واشكاليات قد لا يكون لنا قدرة على التغلب عليها أو حتى مجابهتها، فنشعر أثر ذلك باختلال في موازيننا النفسية، يتهدد شعورنا بالأمان، بل وحتى القدرة  على القيام بالعمل والتعامل مع الآخرين. ولعل محاولة مجابهة تلك التحديات، قد تتمثل أولاً في الإقرار بها عن طريق معرفة الذات، والشجاعة في طلب المعونة عند الاحتياج إليها.

لا زلنا في العالم العربي عامة نعتبر اللجوء إلى الطبيب النفسي – الذي تحيط بعمله هالة أسطورية من الغموض والشك – كما نشاهدها في الأفلام والتمثيليات، والخوف التقليدي من القيل والقال، التي تربط ما بين الأعراض البسيطة، والجنون أو الشذوذ بشكل أو آخر، حائلاً اجتماعياً يجب تجاوزه في عالم يتهدده الجوع من ناحية والكورونا من ناحية أخرى، وأخبار الحروب والجرائم التي نشهدها على شاشات التلفزيون يوماً بيوم، وساعة بعد أخرى.




تصف د. جونز "لست وحدك" على أنه "دليل قصير ليساعدك على فهم ومعرفة وسائل المساعدة المتوفرة لبعض المشاكل العقلية والعاطفية الشائعة". تمس تلك المشاكل أعداداً كبيرة من العائلات، وتثير بالقطع قلق أولياء الأمور، ويجعل من الكتاب مدخلاً مناسباً للعاملين بالتربية والتعليم، من مدرسين وأخصائيين اجتماعيين.

ويتكون هذا الكتاب القصير من حوالي 150 صفحة من القطع المتوسط، من خمسة فصول أو محاور عناوينها كالتالي: أولاً، "شخص عزيز عليّ يبدو مختلفاً عن الآخرين"، وتتناول فيه الكاتبة حالات شائعة تؤرق الكثير من الأسر مثل متلازمة اسبرجر، والخرف، ونقص الانتباه، وعسر القراءة، إلخ. ويتناول الفصل الثاني الانفعالات الصعبة والحالات النفسية، من اضطرابات الطفولة، مثل التبول اللاإرادي، والكوابيس، ونوبات احتباس النفس، إلى الاكتئاب والقلق والرهاب والصدمات النفسية.









تكون العلاقات الفصل الثالث، متناولة الشعور بالذنب، والعنف المنزلي، والشعور بالعار، وفقدان الأحبة إلخ. كما يركز الفصل الرابع على أنواع السلوك المتعلقة بإيذاء النفس مثل الإدمان، واضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية أو الشره، أو الميل إلى أيذاء النفس جسدياً ونفسياً. ثم يتناول الفصل الخامس والأخير الرعاية أو المساعدة الذاتية واكتشاف الذات، وتقول جونز أن "هناك توازن دقيق بين الأنانية القصوى، وتنفيذ طلبات وتوقعات الآخرين لدرجة عدم معرفة الشخص حقوقه بالمرة". وتقول الكاتبة أن أبراهام وازلو، الطبيب النفسي، يذكر أن لكل إنسان مقياس معين للاحتياجات، وتلك بالطبع تتضمن التحرر من الجوع والعطش والبرد، والسلامة البدنية، يليها الاحتياج إلى الحب والتعاطف والحنان، لتأتي بعدها احتياجات أكثر تطوراً، مثل الاحتياج إلى احترام الذات، وتقدير الآخرين، والقدرة على المشاركة وتجاوز الذات بمساعدة الغير.

ينتهي الكتاب بمجموعة بسيطة من التقنيات والأساليب عن طريق العلاج السلوكي المعرفي التي استحدثها المعالج النفسي الكبير آرون بيك، وابنته جوديث، بالالتفات الواعي للأفكار التي تمر من خلال عقلنا، وتؤثر سلباً أو ايجاباً على مشاعرنا عن طريق سلوكيات بامكاننا التحكم فيها أو تغييرها إذا لزم الأمر.

أخيراً، فقد لفت نظري أن هذا الكتاب يتوافق تماماً مع المخيال الشعبي العربي والمصري المأثور، الذي يطالب الوالد بأن يؤاخي ابنه، والأم ابنتها بالمثل، وعن أهمية الدور المنوط بالصديق الصدوق، الجدير بالثقة والقادر على النصيحة المخلصة، وأخيراً وليس آخراً، على كسب ثقة ضحية الضغوط النفسية وتذكيره دائماً – لست وحدك.

 

بيروت، 10/2/2022        

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )