Article المقال ( Octobre )






 Ñ  احتفالية هاملت   Ò


(6 / 6)


 


بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ

قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب - جامعة الإسكندرية







اعتبر الكثير من النقاد المخرج والممثل الشيكسبيري الشهير كينيث براناه (1960-   ) الامتداد الطبيعي والوريث الشرعي للورانس أوليفييه. وحلم براناه – مثلما حلم مثله الأعلى – بإخراج "هاملت" وتمثيله، فقدم عام 1996 نسخة متطورة لهاملت تكلفت ما يقارب العشرين مليون دولار. قرر براناه أن يقدم "هاملت" في نسختها الأصلية، وكما كتبها المسرحي العظيم شيكسبير.

و"هاملت" شيكسبير – بالمناسبة – هي أطول مسرحية لشيكسبير، حيث تقع في حوالي 4000 سطراً، ويستلزم عرضها حوالي أربع ساعات كاملة. وكان جمهور شيكسبير معتاداً على مثل تلك الاطالة، وقد اختلف في ذلك عن جماهير السينما في يومنا هذا، الذين يتوقعون ألا يزيد الفيلم السينمائي عن ساعتين ونصف على أكثر تقدير.

واضطُر براناه إلى تقسيم فيلمه إلى جزئين، تفصل بينهما فترة استراحة قصيرة، وعلى الرغم من شعور جماهير السينما بالملل، فقد أعجب أساتذة الأدب بالمدارس والجامعات بتلك النسخة في تدريس مسرحية شيكسبير، حيث تمكنهم من التركيز على مشهد أو فصل بعينه من المسرحية أثناء حصة الدرس.

وقد ننتقد إصرار براناه على إخراج وبطولة النص الأصلي لشيكسبير، ولكن ما قد نأخذه عليه، بل ونرفضه من الناحية الفنية، إضافة مشاهد لم يكتبها شيكسبير. فنرى في الفيلم مثلاً مشهداً لفورتينبرا شاباً، يتلقى توبيخاً من عمه الكهل لمحاولته غزو بولندا. وأغرب من ذلك، فقد أضاف براناه مشهداً لهاملت وأوفيليا معاً بالفراش، وهو تفسير غير منطقي نقدياً لعلاقة الحب العذري بينهما.




قد نعزو هذه الهفوة إلى ولع السينما الحديثة بالجنس خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أنها تتجاوز الهفوة حين نطبقها على نص مثل "هاملت"، تاريخياً وحضارياً وأخلاقياً. فكل ما تتفوه به أوفيليا في مسرحية شيكسبير، إنما يعد تعبيراً عن براءة تلك الفتاة المثالية. وقد يفسر هذا مقولة هاملت الشهيرة لها حين تشاجرا: "فالتنضمي إلى دير للراهبات، فهو أليق بك". بل من الممكن اعتبار أن مأساة هاملت الحقيقية تكمن في يقينه بأن والدته التي طالما رأى فيها نموذجاً للعفة، تشاطر عمه القاتل فراشه بعد أيام قليلة من وفاة والده.





اختار براناه موقعاً لأحداث "هاملت" في القرن التاسع عشر، في وقت تصارعت فيه الممالك والعائلات الملكية في أرجاء أوروبا. وأتاح هذا الاختيار لبراناه أن يصبغ على فيلمه ابهاراً بصرياً عن طريق تأجيره لقصر بلنهايم، بقاعاته الفسيحة التي ملأها بالبذات العسكرية بوقارها، وفساتين الأرستقراطية الأوروبية بألوانها الزاهية.

إلا أن ميل المخرج للإبهار يكاد في بعض المشاهد أن ينزع إلى الكوميديا غير المقصودة. فحين حاول براناه تقديم شبح هاملت الأب، جعل منه تمثالاً عملاقاً، يمشي الهوينة وسط الجليد، محاطاً بانفجارات جعلت منه أشبه بشخصيات حرب الكواكب عن شبح هاملت الذي كان شيكسبير شخصياً يقوم بتمثيله على خشبة المسرح. ونلاحظ أيضاً أن مشهد المبارزة الأخيرة بين هاملت وليارتيس قد جنح إلى أفلام المغامرة الشهيرة في تاريخ هوليوود السينمائي، مثل أفلام "سجين زندا"، و"روبين هود".

واختار براناه لفيفاً من أعظم ممثلي أمريكا وانجلترا للقيام بالأدوار الثانوية في نص شيكسبير، في مغالاة أخرى كان نص المسرحية في غنى عنها. ولا شك أن نسخة براناه السينمائية لهاملت نجحت في أن تجعل منه فيلماً معاصراً، وأداة فعالة لتقديم شيكسبير لطلاب المدارس والجامعات، إلا أنه يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن عظمة الكاتب الإنجليزي لا تكمن في قدرته على الإبهار، أو عن مقدرة المخرج المعاصر على الاستفادة بكل تقنيات القرن الحادي والعشرين، فالعمل الأدبي العظيم لا يعتمد إلا على الكلمة وصدق المشاعر الإنسانية.

  


 

شهد القرن الحالي عدة محاولات لإعادة تقديم هاملت لجمهور السينما، لعل من أشهرها تناول ألمريدا الذي يقدم البطل الأسطوري كشاب من الهيبيز في مدينة نيويورك، حيت تتحول الدنمارك إلى شركة متعددة الجنسيات، وقصر إلسينور إلى فندق في ناطحة سحاب بالقرب من ميدان تايمز سكوير.

وقد ظهر مؤخراً فيلم من إخراج ديك دوجلاس في عام 2017، تلاه محاولة تايلور مايرز عام 2019، وهي محاولة للجمع بين تقنيات المسرح والسينما في آن واحد. ولعلنا قد نشهد في العقود القادمة محاولات عدة لمخرجين وممثلين في استلهام هاملت، هذا الرمز الملغز لواحدة من أعظم المسرحيات في تاريخ الأدب العالمي.



بيروت، في 10/10/2020






رابط المقال الأول : هاملت ... و الشاشة الفضية   1 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_16.html

 

 

رابط المقال الثانى : هاملت ... و السينما الصامتة  2 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_90.html

 

رابط المقال الثالث : هاملت ... بطلا متألقا  3 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_18.html

 

 

رابط المقال الرابع : هامنت ... هاملت الروسى 4 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/n.html

 

 

رابط المقال الخامس : القلب الشجاع ... فى دور هاملت 5 / 6 

 https://alcamag.blogspot.com/2020/10/n_20.html







 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )