La Nouvelle القصة القصيرة ( Octobre )
بقلم : بيتر يوسف
على أطراف الجزيرة كان يوجد معبد الإله ، يقف كاهن يمارس
طقوس عبادته بشغف ونهم في روتين يومي، خلفه أطفال مرتدين ما يرتديه يقفون بشكل
دائري في ذلك البهو الذي يتوسطه تمثال الإله في طقس محفوظ ، يقدم القرابين ما بين
خبز وفاكهة وخمر وعسل ولبن ، كان لكل طلبه يأتي بها أحد السكان من الجزر المحيطة
له تقدمه خاصة ، ذاع صيت الكاهن وعلي شأنه لما يملكه من روح النبوة ومعرفة الغيب
فهو ادعى أن الإله بث روحه فيه ويكلمه ، وحين سألوه متى يغضب الإله ؟ أجاب سيرسل
علامات تراها العين وتشعر بيه الأبدان ،ولكي تهربوا من غضب الإله عليكم مرضاته
بالعطايا والتقدمات ،لم يكن همهم الأول رضاء الإله ولكنهم كعادة البشر يردون معرفة
ما يجهلون فأتوا إليه ليس لعبادة وإنما لاستبشار المستقبل بدوافع الفضول والمعرفة
وأن يسلكوا طريق الإله
الشريف أو سيدنا هكذا تم دعوته ، لم يكونوا يعرفوا له
اسماً ، طول قامته مع جلبابه الابيض أعطوه وقاراً ،فيأتون وهم لا يرفعون وجوههم
امامه خشيه منه فهو مندوب الاله ، البعض يسجد عند قدميه والبعض الاخر يقبل يده ،
يستقبل طالبين المدد والعون الالهي بعد قضاء شعائره الصباحية يقف طابور بطول البهو
وهو يجلس على اوله ، نساء وبنات ورجال وعجائز ، الكل له تطلعات وطلبات.
صعد درجتين ورفع يده اليمنى عالياً مستنداً على عصا بيده
اليسرى وأمام الجمع الغفير
:المجد للإله الذي يقبل عطاياه بواسطتكم ، أعطوا تجاب
سؤلاتكم ، المجد للإله الذي أوجدكم عبيداً لتعبدوها.
كانت تلك الكلمات الافتتاحية لبدء سماع الطلبات وتقبل
العطايا
تقدم رجل أربعيني بملابسه رثة، يمتلئ من الجروح والقروح
وتعلو رائحة كريهة منه ، تقدم خطوة ووقف منكس الرأس ووضع كسرتان من الخبز المقدد
في سلة القرابين الموضوعة بجوار الشريف
: لم تستجب الآلهة ولم أشفى بعد.
ألقى نظرة على الخبز المتعفن ومن ثم رمق الرجل بغيظ بعد
أن رفع الكسرتين للأعلى
: كيف تطلبون أن تستجاب طلباتكم وأنتم فقراء العطايا ،
أعطوا اعوازكم وبيعوا كل ما لديكم لكي تقدموا تقدمات جيدة لعل الإله يرضى وتستجاب
لكم.
تحرك الرجل وهو ممتلئ خيبات من نفسه الذي لم يستطيع ان
يوفر بعض النقود ليبتاع تقدمه جيدة يقدمها للأله ليرفع عنه المرض فهو لم يقدر على
العمل بعد، جاء الي هنا ثانية بنصيحة الشريف عند مجيئة لأول مرة ليسأل عن برء من
الداء والسقم ،كانت تقدمه البرء من الداء خروف مذبوح ، باع ذاك الرجل كل ما له
واشتراه ،كان يأمل ان تستجاب طلبته ويرفع عنه الداء ولكن
: يبدوا ان الاله لم يرضي عنك لذا ابتلاك ومستمر في
إذائك نقي قلبك واغتسل من بلاياك
هكذا سمع الواقفين الشريف وهو يوبخ الرجل . تقدمت سيدة
تمسك بيد ابنتها وتحاول أن تسرعها قليلاً ولكن تأبى الابنة رغم صغر سنها، كانت
تحمل في يدها القرابين للإله كانت عبارة عن مأكولات شتى خبز وخضروات وفاكهة وخمر
وعسل ولبن تلك هي القائمة لمن تريد الزواج ، كان مقرراً عليها أن تأتي كل أسبوع
مرة إلى أن يتقدم أحد لخطبتها ، مالت السيدة إلى إذن الشريف
: ابنتي لم يتقدم أحدا مثلما قلت ، فقد مر سنة إلى الآن
ونحن منتظرين !!ناتئ كل أسبوع ولم يحدث شيئاً على الإطلاق ....هل الإله ناقم علينا
؟ نظر نظرة ثاقبة تجاه الابنة ثم أشار بالعصا عليها
: الإله لم يمنع الخير عن رعيته انما الرعية هي ما تحمل
الشر في قلبها ولا تريد الخير لبعضها البعض، ابنتك يعقوها الزواج لما يضمره البعض
لها ولكي
أومأت الأم بإيجاب فإنها تشك دائما في جارتها التي لها
ممارسات وأقوال غريبة كانت قد قالتها للمشير من ذي قبل وها هو يؤكد توقعاتها ،
احتضنت ابنتها
: ماذا علينا أن نفعل
حرك رأسه ونظر تجاه الواقفين وبكل جدية ،
:اقتربوا أكثر إلى الإله بعطايا أكثر، اقتربوا منه يقترب
إليكم.
ثم تقدم شاب يئن همومه، جاء إلى سيدنا ليجاوب عن تساؤلات
وماذا يفعل مع ذلك الوحش الذي يهاجمه تباعاً في كل يوم ، اخرج من جعبته سرة من
الدنانير ووضعها في سلة التقدمات ،ابتهج الشريف عندما نظر لتقدمه الشاب وقال بملء
فيه ،
: يابني أن البلايا تصيب الأشد إيمانا فالإله يعطي
المعونة مع الألم ، تشدد فالانفراجة قربت ،
تهجم الشاب على الشريف وقبض بيده على عنقه ، تدافع الناس
لإنقاذ الشريف مع محاولة تهدئة الشاب ، اخرج الشاب خنجراً من جعبته ثم صرخ
: ها هي النهاية التي أردتها لنفسي أما أن يهلكني الإله
أما أن تهلك أيها الزائف المخادع
حاول الشريف أن يحتويه بكلمات وترهيبه بكلمات أخرى لكنه
لم يتسمع ، أردف الشاب حينها
: يبيع الامل بالتقدمات فملعون انت وذاك الاله الذي يدعي
باطلاً انه يعرف كل شيء.
طعنه طعنه ليست بجائرة واثناء وهو يهوي من على درجات سلم
المعبد ،
:دافعوا عن الاله فانتم مطالبون ان تنتقموا من تعدي عليه
او على رسله.
اجتمع الجمع وركلوا الشاب حتي امتوه ،بينما قام احد
العطارين بمداوة الشريف وعاد يقف يكهن في المعبد وسط الاطفال . اجتمع سكان الجزيرة
من جديد حينما سمعوا بخبر عودة الشريف يقبل عطايا ويسمع الشكايا ويقدم القرابين ،
ظهر على غير عادته منحني ويميل وجهه للاصفرار شاحب اللون ، يستند على عصا يسنده
طفل ضخم البنية ، تهامس القوم فما بينهم أنه أصبح غير مجدي وربما فارقة روح الإله
فأذن هو غاضب عليهم ، لذا قرروا عدم سماعه ولا المجيء إليه مرة أخرى ،وبعد فترة
وجيزة ظهر رجل يطوف الجزيرة وينادي بأن الشريف كان عرافاً قد مات وهو لم يكن
وسيطاً للإله البتة ، فالإله لا يحتاج وسطاء وهو أخبره بذلك في رؤيا وعليهم العودة
لتقديم القرابين من جديد.
Commentaires
Enregistrer un commentaire