Article المقال ( Octobre )

 





Ñ  هاملت ... بطلاً متألقاً   Ò


(3 / 6)




بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ

قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب - جامعة الإسكندرية




  

منذ منتصف الأربعينيات من القرن العشرين أمست أعمال وليام شيكسبير بمثابة أيقونة قومية، ورمزاً للهبة الثقافية التي منحتها إنجلترا للعالم أجمع. وقد ارتبطت تلك الظاهرة بالطبع بمكانة إنجلترا السياسية والاقتصادية، وهيمنتها على ثلثي العالم.




وحين أقدم السير لورانس أوليفيه (1907-1989) على إخراج وبطولة مسرحية "هاملت" عام 1948، كان الممثل الأكثر شهرة وارتباطاً بأعمال الشاعر الكبير في بريطانيا، فقد تلقى أوليفييه تدريبه بأكبر المعاهد المسرحية، حيث انكب على دراسة مسرح شيكسبير بالتحديد، وبدأ بالفعل القيام بأدوار مختلفة منتقاه من أعمال الكاتب المسرحي، سواء المأساوية منها أو الكوميدية، فكان من المحتم أن يصبح أول رئيس للمسرح الوطني.

قام وينستون تشرشل – رئيس وزراء إنجلترا الأسطوري – والذي قادها للانتصار في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا ودول المحور، بتكليف وتمويل انتاج أوليفييه لفيلم هنري الخامس، للرفع من معنويات الشعب الإنجليزي الذي تعرض لسنوات للغارات الألمانية، وتحفيزاً له على تحقيق النصر التاريخي، مستلهماً مسرحية شيكسبير عن هنري الخامس، القائد المظفر الذي حقق نصراً لإنجلترا بإمكانيات متواضعة على عدوها التقليدي فرنسا في موقعة اجنكور (1415).




أدرك أوليفييه الأهمية التاريخية والثقافية الملقاة على عاتقه، وأن تناوله لهاملت سيمثل بالقطع نقطة فارقة، سيحفظها التاريخ بعد تسجيلها فيلمياً. كان أوليفييه بالطبع قد قام بدور هاملت، واخراجه على خشبة المسرح عدة مرات، قبل أن يفكر في تقديمه سينمائياً لأول مرة.

وعلى الرغم من أن أوليفييه كان قد قدم من قبل مسرحيتي شيكسبير "هنري الخامس" و"ريتشارد الثالث"، بالألوان الطبيعية، فقد قرر أن يستعيض عن الألوان بالأبيض والأسود، مع التحكم في الإضاءة، متبنياً "السينما السوداء" film noir في تناولها لدراما الجريمة والغموض.

فمسرحية "هاملت" – كما كتبها شيكسبير – يمكن اعتبارها رواية بوليسية، تنصب على مقتل الملك هاملت، وسعى ابنه الحثيث لمعرفة القاتل والقصاص منه. وحيث أن بطل شيكسبير يظهر مجللاً بالسواد في زيه، كئيباً وملتاعاً في مظهره، ينفرط حزناً على أبيه، فقد انعكس ذلك في جو الفيلم القاتم داخل قصر إلسينور المعتم الذي يوحي بقتامة السجن، لا فخامة القصور الملكية.

وقد قام مدير التصوير، ديسموند ديكنسون، من تصميم عربة للكاميرا، تتحرك بتؤدة، عاكسة عالم الأشباح المخيم على القصر منذ مقتل والد هاملت، وما ينتابه من حالة نفسية واكتئاب. اعتمد تفسير أوليفييه لمسرحية هاملت على أنها مأساة رجل متردد، غير قادر على أن يقدم على ما انتواه. واعتمدت رؤية أوليفييه على نظرية المحلل النفسي الكبير سيجموند فرويد، الذي رأى في بطل شيكسبير مثالاً حياً لعقدة أوديب، وارتباطه العاطفي الحميم بوالدته جيرترود.




كان أوليفييه، قبل أن يشرع في القيام بإخراج هذا الفيلم قد زار مترجم فرويد إلى الإنجليزية وكاتب سيرته العالم النفسي ارنست جونز، وتناقش معه، وقد اختار في دور جيرترود ممثلة صغيرة السن نسبياً ألا وهي إلين هيرلي.

نجح أوليفييه، إذاً، في خلق بطل يسهل التعاطف معه وفهم دوافعه، ففاز الفيلم، كما توقع النقاد بجائزة أحسن فيلم، وأصبح من أنجح الأفلام الإنجليزية للقرن العشرين. إلا أن بعض النقاد قد عابوا على هذه النسخة من "هاملت"، من حيث اختزال مسرحية شيكسبير بحذفه الكثير من المشاهد الأصلية، بل وبعض الشخصيات مثل روزنكرانتس وجيلدنشتيرن، ولعل العيب الآخر الذي قد يشكوا منه بعض المتفرجين هو التركيز المبالغ فيه على أداء البطل وجنوحه إلى التعبيرات المسرحية على حساب تركيز الكاميرا السينمائية على تعبيرات الوجه ولغة العيون.

يظل هذا الفيلم، مع كل ذلك، مصدراً رئيسياً لكل من أخرج مسرحية "هاملت" ومثل شخصيته على شاشة السينما، ويظل الفيلم شاهداً عظيماً على قدرة اللغة السينمائية على ترجمة لغة شيكسبير المسرحية، إلى أفلام متميزة يستمتع بها رواد السينما تماماً مثلما أمتعت مسرحية "هاملت" جماهير المسرح على مر العصور.

 

بيروت، في 7/10/2020





رابط المقال الأول : هاملت ... و الشاشة الفضية   1 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_16.html

 


رابط المقال الثانى : هاملت ... و السينما الصامتة  2 / 6 

https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_90.html



 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )