Article المقال ( Octobre )
Ñ هامنت
... هاملت الروسي Ò
(4 / 6)
بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح
أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ
قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
كلية الآداب - جامعة الإسكندرية
كانت أعظم هدية قدمتها روسيا إلى عالم السينما الحديث هي
أعمال المخرج الفذ سيرجي أيزنشتاين (1898-1948)، الذي أضاف أساليب مبتكرة للمونتاج
والإخراج، أخذها عنه كبار مخرجي السينما في العالم.
شُغِلَت روسيا بالطبع عن الفن السابع
بقيام ثورتها البلشفية (1917)، والتي أدت إلى اسدال ستار حديدي، تمخض عن حرب شعواء
على الفكر والفن طوال العهد الستاليني.
ثم جاء قرار المخرج الروسي جريجوري كوزنتسيف (1905-1973)
بإعادة تقديم مسرحية "هاملت" لشاشة السينما عام 1964 مفاجئاً لجماهير
روسيا، بل والعالم أجمع. واعتزم كوزنتسيف التركيز على العلاقات الاجتماعية
والسياسية، وموازين القوى وقضاياها، جاعلاً منها التيمة الرئيسية لتناوله لحبكة
"هاملت"، خلافاً لفيلم أوليفييه، الذي ركز على الجوانب النفسية لبطل
رواية شيكسبير. إلا أن كوزنتسيف، الذي أبدى اعجاباً كبيراً بالفيلم الإنجليزي،
اقتبس عن أوليفييه عدة ملامح للأصل الإنجليزي، مثل المقدمة، وجعل قصر إلسينور يقف
وحيداً، منعزلاً على شبه جزيرة، محاطاً بالبحر والصخور والأمواج المتلاطمة.
واستخدم كوزنتسيف أيضاً انعكاسات المشاعر داخل القصر من
خلال حركة الظلال على الجدران، والممرات والأروقة داخل القصر المعتم. ويقدم
كوزنتسيف بطله كفرد متميز فكرياً وعاطفياً، يعاني من الوحشة والعزلة، في عالم
يتهدد حياته، ويتربص به أينما يخطو، متلصصاً كل حركة يقدم عليها، ومتنصتاً لكل
كلمة قد يتفوه بها، للإيقاع به والقضاء عليه.
ولعل في هذا التناول لكوزنتسيف أعظم
تفسير لفتور هاملت، بل وقسوته في معاملة أوفيليا، خاصة بعد "خيانة" أمه،
وإيمانه بأنها موفدة للتجسس عليه من قبل القاتل كلوديوس ووالد أوفيليا المنافق بولونيوس. ويشكل
ارتياب هاملت في أوفيليا بعد حب برئ وصل بهاملت إلى الارتياب في جنس النساء برمته،
عاملاً ضاغطاً آخر على أعصاب أوفيليا المرهفة، واصابتها بالجنون بعد قتل هاملت
لأبيها في مخدع والدته جيرترود.
أخذ كوزنتسيف عن أوليفييه أيضاً
أسلوبه المتميز في تقديم منولوجات هاملت وهو يناجي نفسه، ملتاعاً متفكراً، غير
عابئ بكل ما يدور من حوله من صخب وضوضاء. يظهر هاملت عادة صامتاً، إلا أن المشاهد
يسمع صوته صادحاً جلياً في الخلفية، مناجياً نفسه بأجمل ما كتب شيكسبير، يعبر عما
يختلج بصدره من هموم واشكاليات.
أضفى هذا الأسلوب على شخصية هاملت أبعاداً فكرية
وفلسفية، جعلت منه ذلك المغترب في عالمٍ يعيش فيه دون أن ينتمي إليه. كما يظهر
الفيلم أيضاً، بخلفيته الاشتراكية، التفاوت كبير بين الطبقات المختلفة من
الأرستقراطية إلى عامة الشعب من الدهماء الذين يرزخون في ظل طبقة من الحكام
الفاسدين، بلا أي وازع من ضمير أو أخلاق.
ينتهي الفيلم – كالعادة – بمشهد القتل
الأخير، حيث تتناثر جثث كلوديوس، ومليكته جيرترود، وليارتيس. إلا أن هاملت يقضي
نحبه في الهواء الطلق، متحاملاً على كتف صديقه الأوحد هوريشيو، تاركاً وراءه هذا
القصر الملعون ومحققاً العدالة لروح أبيه، ومستشرفاً لعهد جديد أكثر عدالة
وإنسانية.
بيروت، في 9/10/2020
رابط المقال الأول : هاملت ... و الشاشة الفضية 1 / 6
https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_16.html
رابط المقال الثانى : هاملت ... و السينما الصامتة 2 / 6
https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_90.html
رابط المقال الثالث : هاملت ... بطلا متألقا 3 / 6
https://alcamag.blogspot.com/2020/10/article-octobre_18.html
Commentaires
Enregistrer un commentaire