Article المقال ( Octobre )
d ظاهرة ستروماي وشعبيته c
بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح
أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
كلية الآداب
جامعة الإسكندرية
واسم ستروماي الفني لا يعدو إلا تحويراً لكلمة مايسترو maestro، فقد حلم ستروماي بالعمل
بالموسيقى تو تركه للمدرسة في سن السادسة عشر. فنشأ بول فان هافر – وهو اسمه
الحقيقي – في مدينة بروكسل ببلجيكا، وكان والده مهندساً معمارياً من أصول رواندية،
قتل خلال الحرب الأهلية في روندا، ليظل الأب الغائب موضوعاً للكثير من أغنياته،
والتي تجسدها أغنيته الشهيرة Papaoutai.
تأثر الفنان كشاعر وموسيقار بأسلوب الراب، الذي تميزت به
معظم أغانيه، للتعبير عن التوجهات المزاجية المركبة، مثل التشكيك والتشاؤم، بمزجها
ببناء ايقاعي يصاحبه عادة بحركات راقصة مبتكرة وأسلوب أدائي أقرب إلى فن
البانتومايم، والاستخدام الأمثل للاضاءة، مما أضفى على أدائه الغنائي أسلوباً
متميزاً وديناميكياً، كما كان الطابع المميز لإلفيس بريسلي وجيمس براون.
وتطور فريق موسيقى الراب الصغير، الذي كونه مع مجموعة من
الأصدقاء وهو في السادسة عشر، متأثراً بفنانين من أمثال سيزاريا وجاك بريل، مع
أصداء من ايقاعات موتاون الأمريكية في أواخر الستينات وأوائل السبعينيات والتي
انتشرت حول العالم بفضل مايكل جاكسون وستيفي واندر والفور توبس، وآخرين.
من هذا المزيج المتنوع، بايقاعات من أمريكا اللاتينية
كالسمبا والرومبا والصلصا، خلق ستروماي صوتاً سرعان ما حاز اعجاب مستمعيه فانتقل
من بلجيكا إلى فرنسا، ومنها إلى استوديوهات الولايات المتحدة الأمريكية، التي حرص
أهم فنانيها مثل مادونا في ادخال هذا الأسلوب الجديد في أغانيهم، وحاول الكثير
منهم أن يتعاون مع هذا النجم الجديد لموسيقى البوب.
وفي 2009 اصدر ستروماي ألبوماً بعنوان Cheese (تشيز)، يحتوي على اغنية
"هيا لنرقص" Alors on Danse،
والتي أضحت من أحب الأغاني في صالات الرقص الأوروبية، بل وفي صالات الرياضة في
جميع أنحاء العالم، ونالت استحساناً من الرئيس الفرنسي السابق جيسكار دستان.
وهذه الأغنية، على وجه التحديد، تختلف نوعياً عن
الأغنيات الراقصة التقليدية، فالرقص في تلك الأغنية يمثل طريقاً للخلاص من ضغوط
الحياة المعاصرة ومشاكلها اليومية. ويُظهر الفيديو المصاحب للأغنية شخصاً، وهو
يجلس منهمكاً إلى جهاز كمبيوتر، متعباً ومثقلاً وقد أصابه الملل، يخرج إلى حلبات
الرقص مطارداً بالضغوط العائلية متمثلة في أمه، أو الاجتماعية المتمثلة في قاضي
محكمة، حيث يشاركه الرقص مجموعة من الراقصين لا يختلفون عنه كثيراً. وقد اعتاد
ستروماي أن يبدأ عرضه الموسيقي الحي بأداء تلك الأغنية التي تلخص الحالة المزاجية
لكل عروضه.
وفي ألبومه الثاني، Racine Carree، انتشرت أغنيتان على وجه التحديد:
Formidable،
وPappaoutai.
وبينما تعبر الأولى عن الحب الضائع، عن طريق شخصية تترنح تحت تأثير الشراب، صائحاً
بأعلى صوته Formidable!،
ومجتذباً اهتمام المارة العابرين من رجال الشرطة، إلى بعض المعجبين بستروماي ذاته.
وتجسد الأغنية الحنين إلى ماض رائع ومثالي، يختلط بمشاعر عدائية موجهة إلى من كانت
مصدراً للحب.
لا شك أن شعبية تلك الأغنية تعود في المقام الأول إلى
قدرته على المزج ما بين الشكل والمضمون. وتظهر كل أغنية على حدا في شكل منولوج أو
مناجاة للنفس، جاعلة من الغناء طريقاً لمواجهة تحديات الحياة في القرن الحادي
والعشرين.
أما أنجح أغانيه للساعة – Pappaoutai – فتظهر شاباً يساءل أمه عن مكان أبيه المفقود. ويتساءل الفتى باحثاً عن مثل أعلى، ويد ناضجة يستند إليها في عالم مضطرب يجد الفتى نفسه ضائعاً في بحوره المتلاطمة بلا سند أو معين.
لا يحاول هذا المقال بالطبع تقييم موهبة ستروماي، أو
الادعاء بأنه فنان عظيم، وإنما ما يحاول تسجيله وتفسيره، هو تلك الظاهرة
الاجتماعية المواكبة لظهور أغاني وموسيقى ستروماي وانتشارها. والدعوة، إذا، موجهة
لعلماء النفس والاجتماع لتفسير هذا الشغف الذي جمع مراهقي العالم من أفريقيا إلى
الولايات المتحدة مروراً بأوروبا، والذي يسمع صداه من أجهزة الراديو والتلفزيون
والحاسب الآلي، فهل يمثل حضارة كونية جديدة، أم يعبر عن تطلعات وقلق ومخاوف جيل
بأكمله؟
الإسكندرية، 5/10/2022
Commentaires
Enregistrer un commentaire