Article المقال ( Octobre )
d ثورة موسيقية c
بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح
أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
كلية الآداب
جامعة الإسكندرية
كان فريق البيتلز أهم ظاهرة موسيقية خلال الستينيات من
القرن العشرين، وقد لا نبالغ إذ قلنا أن ظاهرة البيتلز قد تعدت المجال الفني لتصبح
ظاهرة اجتماعية تَحلّق من حولها جيل بأكمله من الشباب، وأطلق المختصون عليها لقب Beatlemania (هوس البيتلز)، فأصبحوا رمزاً
لصراع الأجيال وثورة الشباب، وعنواناً لتغير الذوق العام في الملبس والمظهر،
وانتهاء عهد النجم الغنائي الفرد الباهر مثل فرانك سيناترا، وإلفيس بريسلي،
فاحتلوا الصف الأول فيما أطلق عليه عشاق الموسيقى في الولايات المتحدة "الغزو
البريطاني" The British Invasion،
الذي ضم فرقاً انجليزية متعددة مثل The Rolling Stones،
وفريق The Who، وفريق The Animals، وعشرات الآخرين، وتبعتهم فرق
أخرى من أوروبا، بل والعالم أجمع.
يفوق أثر البيتلز، بالطبع، امكانياتهم الموسيقية
والصوتية، إلا أنهم احتلوا تلك المكانة الفريدة، والمتميزة، بظهورهم في المكان
المناسب، في اللحظة التاريخية المواتية. فقد بدأ فريق البيتلز مسيرته بأربعة فتيان
من ميناء ليفربول الإنجليزي، أحبوا الموسيقى، وقرروا العمل بها كفريق، شأنهم شأن
عشرات الفرق التي تأثرت بموسيقى الروك أند رول، وهي الموسيقى التي سادت الأوساط
الشبابية، منذ أواخر الخمسينيات من القرن العشرين بتأثير إلفيس بريسلي وبيل هيلي
وآخرين.
تعود نشأة فريق البيتلز إلى عام 1960، وتشكل من جون
لينون وبول مكارتني، قائدا الفريق المبدعين، اللذين عملا على تأليف وتلحين أغلب
أغاني الفريق، وقد ضم الفريق عازف الجيتار جورج هاريسون، وضابط الإيقاع رينجو
ستار، آخر من انضم للفريق عام 1962.
كان الفريق امتداداً لفريق أسسه جون لينون باسم The Quarrymen، الذي حقق شهرة محلية بنوادي
ليفربول الأهلية. وقد نجح فريق البيتلز في الحصول على عقد كموسيقيين محترفين بنادِ
ليليّ بمدينة هامبورج بألمانيا، فكانت نقطة انطلاقهم إلى العالمية. ثم اكتسب
الفريق، من خلال برنامج عمل مرهق، خبرةً واسعة، كما شهدت تلك الفترة أيضاً بداية
العمل بالتأليف والتلحين الموسيقي للفريق. إلا أن الوصول إلى العالمية قد تطلب
جهود بريان ايبستين، الذي تولى إدارة الفريق، بينما تولى جورج مارتن الإنتاج
الموسيقي، فنجح في خلق صورة البيتلز التي نعرفها اليوم.
وسرعان ما أصدر الفريق أغنية Love me, do، التي حققت نجاحاً ملحوظاً بقائمة
أفضل الأغنيات الإنجليزية The British Top 20،
باستوديوهات EMI،
تبعها أول ألبوم متكامل بعنوان Please, please me،
الذي حقق المرتبة الأولى بسباق الأغاني. وفاق نجاح الألبوم الأول الساحق كل توقعات
الفريق، وبدأت عروضهم في اجتذاب صريخ العشرات من المعجبات بأسلوب لم يسبق لها
مثيل.
أصر مدير أعمال الفريق ألا يغامر بزيارة الولايات
المتحدة، إلا بعد أن يتحقق من وصول ألبوم الفريق إلى قمة مبيعات الاسطوانات، إذ
كان قد تعلم من التجربة الفاشلة لكل من كليف ريتشارد وآدام فيث، اللذان عادا من
أمريكا بحفيّ حنين. وتمت دعوة البيتلز إلى برنامج المنوعات الشهير "إد
سوليفان"، قبل جولة أسطورية في كافة أنحاء أمريكا، وأجريت مع الفريق العشرات
من الأحاديث الصحفية، حين بهر الفريق الجمهور بردود أفراده الساخرة والضاحكة، بروح
دعابة، تنتمي إلى مدينة ليفربول والطبقات العاملة بها على وجه التحديد.
كان من الطبيعي أن تحاول السينما اجتذاب الفريق، فقام مارك ليستر باخراج فيلمهم الأول "ليلة يوم شاق" Hard Day’s Night، محققاً نجاحاً باهراً، وتربع ألبوم أغاني الفيلم على المراكز الأولى، وإذاعات العالم المختلفة. ومع ذلك الألبوم الأخير، لاحظ الكثير من النقاد اختلافاً بيناً، بين كلمات أغاني البيتلز وألحانهم، وبين الأغاني الذائعة في ذلك الوقت، فقد اتجهت إلى التجديد والتجريب على مستوى الألبوم الموسيقي، لخلق وحدة بين الأغنيات المختلفة، تميز الألبوم عن الأغنية الفردية التي تنجح كصرعة منفردة hit single.
إلا أن فيلم البيتلز الثاني، فيلم "النجدة" Help، لم ينجح، على الرغم من نجاح
الألبوم الذي احتوى رائعة بول مكارتني "الأمس" Yesterday، دون مصاحبة أي من أعضاء الفريق
الآخرين. وتعتبر الأغنية أشهر أغنيات القرن، وقد قام بأدائها أغلب كبار المطربين
في العالم من أمثال فرانك سيناترا وإلفيس بريسلي وراي تشارلز وآندي ويليامز
وآخرين.
وقد انتهز فريق البيتلز فرصة وجودهم بالولايات المتحدة
في تحديد لقاء مع أهم شاعر للموسيقى الفولكولورية folk music في العالم، بوب ديلان. وارتبط اسم
ديلان، كما هو معروف، بحركة الهيبيز، الذين رأوا فيه قائداً روحياً. وأصبح اللقاء
نقطة تحول لكل من المدرستين الفنيتين، فاتسعت آفاق البيتلز الاجتماعية، والسياسية،
واكسبهم النجاح الشجاعة على ارتياد مجالات موسيقية مبتكرة، مثل الموسيقى
السيكديلية الهادئة psychedelic music،
والهارد روك، بل وأدخلوا آلات موسيقية وعازفين من مختلف المدارس، مثل آلة السيتار
الهندية، وفرق للموسيقى الكلاسيكية. كما اهتم الفريق بممارسة اليوجا والتأمل،
بايحاء من جورج هاريسون، فسافروا إلى الهند لتحقيق نوع من الصفاء النفسي والروحي،
إلا أنهم سرعان ما تخلوا عن الفكرة، لسذاجتها من ناحية، ولاستغلال منظميها
المدّعين للنقاء الروحي.
عكس فريق البيتلز، دون ادراكٍ واعٍ من جانبهم، ثورة جيل
من الشباب، حلم بالحرية الفردية والمساواة، فتصدى غاضباً للحرب الأمريكية في
فيتنام، ورفض التمييز بين البشر على أساس لون بشرتهم، كما عبر الفريق عن تطلعات
جيل جديد من أبناء الطبقة العاملة، أتيح له لأول مرة الالتحاق بالجامعات. وقد شهدت
الجامعات ذاتها ظهور طبقة من المفكرين اليساريين، من أمثال هوبزباوم وريموند
ويليامز في إنجلترا، وهاورد زين وفريدريك جيمسون بالولايات المتحدة الأمريكية.
كان من المحتم أن يختلف الأعضاء المؤسسين لفريق البيتلز
فيما بينهم، لتباين آرائهم الموسيقية والاجتماعية على مر السنين، فعلى الرغم من
شعبيتهم الجارفة، لم يتمكنوا موسيقياً وفنياً من انجاز ألبوم آخر في قوة "سارجنت
بيبر" Sergeant Pepper،
الذي يعتبره النقاد أعظم ألبوم لموسيقى الشباب في القرن العشرين.
ثم انفرط الفريق عام 1970، وإن لم يفارقوا المخيلة
الشعبية للملايين من معجبيهم. وقُتِلَ جون لينون إثر حادث عبثي لإطلاق نار من شاب
مريض عقلياً. وكان لينون يُعِّد لمشاريع موسيقية بعالم يسوده السلام وانتفاء
الخلافات بين الدول والعقائد.
وتوفي أيضاً جورج هاريسون بمرض عضال بعد انتاجه ألبومه
الروحي "كلٌ إلى زوال" All Things Must Pass.
ولعل رينجو ستار كان أقل أعضاء البيتلز حظاً بعد انفصال الفريق، إلا أنه ظل على
علاقة طيبة بكل زملاء الأمس، وحاول الاشتغال بالسينما في عدة أفلام.
أما بول مكارتني، العضو الرابع والأخير، والقوة المحركة
للفريق، بأشعاره وألحانه، فلم يغب عن الساحة الفنية، إذ قاد فريق Wings بمصاحبة زوجته ليندا، ثم بمفرده
بعد وفاتها.
لا يطاول فريق البيتلز أي فريق موسيقى آخر خلال قرن من
الموسيقى الشعبية، أو التعبير عن آمال جيل من الشباب، تجسدت في أربعة فتيان من ليفربول.
بيروت، 6/1/2022

Commentaires
Enregistrer un commentaire