Article المقال ( Mai )

 




d   شباب للأبد  c

 


بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب

جامعة الإسكندرية




 


 

احتفل محبو كليف ريتشارد وأنصاره بانجلترا وأوروبا والعالم أجمع بعيد ميلاده الثمانين، بعد رحلة من الغناء استمرت ما يربو من الستين عاماً، باع خلالها أكثر من 250 مليون اسطوانة وألبوماً، وتصدر قائمة أهم 10 أغاني بالمملكة المتحدة أكثر من أي مطرب آخر، بما في ذلك فريق البيتلز والفيس بريسلي. وقد صدرت منذ أسابيع الاسطوانة المدمجة "كليف 80"، لتتزامن مع احتفالات الكريسماس ورأس السنة الجديدة، كعادة كليف على مدى عقود طويلة.

وقد أحيا كليف بقاعة ألبرت هول الشهيرة بانجلترا، حفلاً متميزاً، نفذت تذاكره بأسابيع قبل العرض، واحتفل من خلاله المطرب الكبير بتأدية أحب أغانيه من Move It التي صدرت نسختها الأولى عام 1958، إلى أحدث ألابيمه خلال الأعوام الأخيرة. وقد ظهر المطرب بلياقة شاب في العشرينات، وبمصاحبة أجيال من الموسيقيين والراقصين، احتفالاً بميلاده الثمانين.




ولد سير كليف ريتشارد عام 1940، وقد أنعمت عليه ملكة انجلترا إليزابيث الثانية برتبة فارس ولقب "سير"، فكان أول مطرب شباب يحصل على هذا التكريم. وكان والده موظفاً لدى الحكومة الإنجليزية التي كانت تحتل الهند آنذاك. ونظراً للاضطرابات التي عمّت الهند وأدت إلى استقلالها، عاد الأب إلى موطنه الأصلي بعد أن انهكته ظروف الحرب العالمية الثانية. واعتبرت العائلة محظوظة، إذ وجدت مأوى صغيراً من حجرتين، بعد أن كانت تنعم في الهند بمعيشة أكثر رغداً.

عانى هاري ويب من تنمر أقرانه، بسبب بشرته الخمرية ولكنته الغريبة، إلى أن أهداه والده آلة الجيتار، فوجد فيها سلواه، وشحذت هوايته المحببة، الموسيقى، التي كان قد عشقها عن طريق الراديو، عندما استوقف صوت الفيس بريسلي القوي انتباه الشاب حين سمعه لأول مرة منبعثاً من مذياع سيارة بالطريق العام، وكان يتغنى بأغنية Heartbreak Hotel، فقرر في التو واللحظة أن يغني بأسلوب ذلك المطرب الذي لم يكن يعرف له اسماً حينذاك.

وبالفعل، نجح المطرب الشاب هاري ويب، قبل أن يتجاوز العشرين من عمره، في القيام بتقديم فقرة غنائية بالملهى الشبابي Two Eye. وكان هاري، آنذاك يلعب الجيتار، مقلداً النجم الأمريكي الفيس بريسلي، يصاحبه فريق The Drifters، حينما بدأ نجمه في الصعود، وبدأ يثير اهتمام شركات الاسطوانات شعبية هذا النجم الواعد.

قام أحد أفراد فريق هاري ويب بتأليف أغنية سريعة الإيقاع بعنوان Move It، فتسلقت قائمة أحب 20 أغنية بإذاعة البي بي سي، فتغير اسم فريق ويب من The Drifters، خوفاً من الملاحقة القضائية من فريق The Drifters الأصلي بأمريكا. كما اتخذ ويب لنفسه اسماً فنياً، وهو اسم "كليف ريتشارد" تيمناً بمطرب الروك الأمريكي ليتل ريتشارد، الذي طالما تغنى بأغنياته الناجحة مثل "لوسيل" و"توتي فروتي".

بظهور كليف ريتشارد بالبرنامج التلفزيوني Oh Boy، تأكدت موهبة المطرب الشاب، ورأى فيه المسئولون عن صناعة الترفيه في انجلترا بديلاً إنجليزياً للنجم الأمريكي الفيس بريسلي. وانهالت بالتالي عقود الأفلام السينمائية على النجم الجديد، فقام ببطولة عدة أفلام، أهمها The Young Ones وSummer Holiday، محققاً أعلى الإيرادات، حائزاً على جائزة أفضل فيلم لعامي 1962 و1963.




إلا أن كليف ريتشارد امتنع عن القيام ببطولة الكثير من الأفلام بعد فشل فيلمه Wonderful Life، رافضاً قولبته على طريقة هوليوود، واستعاض عن ذلك بمجموعة برامج منوعات تلفزيونية باسمه، يؤدي من خلالها أحدث اصداراته، بالإضافة إلى تقديم مواهب موسيقية شابة تظهر لأول مرة على الشاشة الصغيرة.

وشارك كليف ريتشارد في المسابقة الأوروبية السنوية Eurovision بأغنيته الشهيرة Congratulations، التي حرمت من الجائزة الكبرى، بأمر من ديكتاتور أسبانيا فرانكو، لصالح أغنية أسبانية. إلا أن أغنية كليف ريتشارد قُدِّر لها أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من احتفالات أعياد الميلاد والتخرج والزفاف، ليس فقط في انجلترا، وإنما في جميع أنحاء العالم.



 

كان كليف ريتشارد من الشجاعة بحيث يعلن التزامه بالمسيحية، وتعاليمها، في فترة الستينيات التي عُرِفت برفضها للقيم التقليدية، وخاصة في عالم موسيقى الروك الذي اشتهر بالثورة والغضب والاباحية. وكاد كليف أن يعتزل الفن تماماً، إن لم ينجح في التوفيق بين عقيدته وممارسته للفن. كما ساهم كليف بماله وشهرته، بالإشراف على عشرات الأعمال الخيرية حول العالم والتبرع لها، وارتبط اسمه بأعظم أغنيات عيد الميلاد، مثل Mistletoe and Wine، وSaviour’s Day، وMillennium Prayer. فتعرض لاشاعات مغرضة، وعداء فني من العديد من المحطات الإذاعية الموسيقية المختلفة، فوصفت أغنياته بالسذاجة، وألحانه بالتسطيح، ومبادئه بالعتيقة.

إلا أن أسوأ تهمة وجهت إليه، وقامت على أثرها قوات الشرطة البريطانية تحت مسمع ومرأى من الأمة بأكملها بحملة تفتيش ضخمة بمقر اقامته بانجلترا حين كان مقيماً في جزر بربيدوس، كانت تهمة الشذوذ الجنسي، وممارسة الفحشاء مع القُصّر. ويعتبر كليف ريتشارد تلك أسوأ محنة قد تعرض لها كفنان وإنسان، لولا تأييد جمهوره العريض له وإيمانه ببراءته، كما أعلنت المحكمة الإنجليزية، بل وقد رفع كليف ريتشارد قضايا تشهير ضد كل من تلفزيون البي بي سي، والشرطة الإنجليزية.

وعلى الرغم من نجاح أغنيتيّ كليف ريتشارد Devil Woman، وWe Don’t Talk Anymore، بالولايات المتحدة، إلا أنه لم ينجح قط في تحقيق نفس المكانة التي ما زال يحتلها في كندا واستراليا والهند، ناهيك عن كل الدول الأوروبية.







إن كليف ريتشارد ظاهرة فريدة ومتميزة في عالم موسيقى ينسى الماضي بسهولة، ويستثمر في المستقبل، إلا أن عرض كليف وهو في عمر الثانية والثمانين، بحضور ثلاثة أجيال متباينة جنباً إلى جنب، يعد أكبر دليل على أن الفن الحقيقي يمنح الفنان شباباً دائماً وشعبية لا تتغير من جيل إلى جيل.



بيروت، 30/12/2021      


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )