Article المقال ( Fevrier)
d قصة أم أربعينية – كتاب
من شواطئ الإسكندرية c
بقلم : د. ليلى أحمد حلمي
أستاذ مشارك اللغة الإنجليزية
رئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
كلية العلوم الإنسانيةجامعة بيروت العربية
يسعدني اليوم أن احتفي
بظهور كتاب شيق لصديقة من أعز أصدقائي، عن تجربتها الفريدة كأم مصرية. وتعود أهمية
هذا الكتاب إلى كونه سرد أمين وواقعي لتجربة طالما حلمت بها الكاتبة، ورأت في
تحققها معجزة إلهية، تستحق الحمد والثناء على المولى سبحانه وتعالى. ومن الممكن
اعتبار الكتاب مجموعة من الارشادات التي لا غنى عنها لكل امرأة تتطلع بشوق ووجل
إلى تجربة الأمومة.
صدر الكتاب، وعنوانه The Story of a Mummy in
her Forties، على منصة أمازون في نسخة ورقية
ونسخة إلكترونية في شهر يناير عام 2022، ويتتبع في طياته قصة حياة، تبعث على
التفاؤل والأمل لكل قارئة، وتتيح لكل قارئ فرصة لفهم أكبر للمرأة. ويأتي السرد
بصيغة المتحدثة، لتحكي لنا عن حياة عملية ناجحة، وحياة شخصية تنوعت بين الفرح
والوجع والحزن، وحياة اجتماعية غنية، تعتمد جميعها على فلسفة حياتية صوفية الجذور،
دائمة التطلع إلى الأفضل، راسخة الإيمان بالخير.
ويبدأ الكتاب بلحظة
اخبار الطبيب للكاتبة بأنها تنتظر مولوداً. وبينما اعتاد القراء على قالب محدد
لهذا المشهد، يتراوح من سعادة غامرة إلى رضاء باستجابة الله لرغبات الأسرة الكبيرة
وأحلام الأسرة الصغيرة، فإن المشهد في هذا الكتاب يأخذ القارئ في رحلة صدمة.
فالكاتبة كانت قد فقدت الأمل في القدرة على الانجاب، حيث أن العلم والطب قد أثبتا
بشكل قاطع استحالة الأمر. وتخبرنا الكاتبة أنها كانت قد رضت بقضاء الله، وقررت أن
تعيش حياتها قانعة بنعم الله عليها.
ومن هنا تنطلق رحلة
الكتابة الملهمة. فتسعى الكاتبة إلى اعادة صياغة الكثير والكثير من القوالب
الاجتماعية الجامدة التي تجد المرأة بشكل عام، والمرأة المصرية بشكل خاص، نفسها
حبيسة لها. فنجد، على سبيل المثال، الصورة النمطية للسيدة المطلقة في مجتمعاتنا،
والتي طالما ينظر لها بأنها إما سيدة فشلت في انجاح علاقتها الزوجية والحفاظ على
بيتها، أو أنها امرأة طامعة إلى خراب بيوت صديقاتها، وسرقة أزواجهن. أما في هذا
الكتاب، فيتاح لنا سماع القصة من منظور الإنسانة، صاحبة الكرامة، وعزة النفس، التي
تتمتع بالكثير من العطاء، لكنها أيضاً تتميز بشخصية قوية وقدرة على استشفاف ديناميكيات
العلاقة الإنسانية بين الزوجين.
ويرى القارئ أيضاً من
منظور الكاتبة ماهية السيدة الناجحة في عملها، على عكس الصورة النمطية التي طالما
سادت أذهان المجتمع، ورسخ لها الإعلام وأفلامه، فيصور المرأة الناجحة بأنها
"مرأة حديدية"، لا مشاعر لها، ولا حياة خاصة لها، دائماً ما يشعر الرجل
بالتهديد والضعف أمامها. فنجد الأستاذة الجامعية الناجحة في الكتاب، سعيدة ببناء
حياة عملية ناجحة، دون الإخلال بعلاقاتها الشخصية. كما أن الكاتبة تكرر كثيراً أن
أهمية حياتها العملية تأتي من ضرورة ارساء استقلالها المادي والاقتصادي، وتأمين
مستقبلها، أي أن النجاح في العمل يمثل وسيلة وليس غاية.
أما الصورة النمطية للأم،
فتقدم الكاتبة صورة مغايرة تماماً عما اعتاد عليه المجتمع. ففتيات كثيرات يجدن
أنفسهن تحت ضغط هائل من الأسرة والمجتمع للزواج والإنجاب وهن لازلن في سن مبكرة.
بل أن الكثير من الأسر ترى أن التعليم (وخاصة التعليم الجامعي) إنما "تحصيل
حاصل"، وأن المرأة مصيرها إلى بيتها وعائلتها وتربية أبنائها. أما الكاتبة،
وعلى الرغم من حلمها بالأمومة، إلا أنها كانت أشد الحرص على الحصول على أعلى
الدرجات العلمية، ورأت في أطفال الأقارب، وابنة أخيها، بل وابنة زوجها من زيجة
سابقة، ما يعوضها عن عدم الانجاب. من ناحية أخرى، فإن عمر الكاتبة عندما انجبت
ابنتها – فقد كانت في الأربعينيات من العمر – جاء ليضحد الكثير من قناعات المجتمع
(بل وقناعات الطب)، أن الانجاب يجب أن يحدث في سن مبكرة لتفادي التعقيدات الطبية
وصعوبة الاهتمام بالطفل فيما بعد. ومن ناحية ثالثة، فإن الكاتبة تغير تماماً من
صورة الأم التربوية التي تنهمك في خلق حياة "مثالية" من حيث النظافة
والترتيب والتعليم، فطبقاً لفلسفة الكاتبة كما توضح، ضمان سعادة الطفل وهنائه
الشخصية أكثر أهمية وضرورة عن تحصيل درجات رائعة أو اتباع ارشادات كتب التربية.
كما أنها حريصة على تنمية مواهب طفلتها، من موسيقى ورسم، بعيداً عن جمود المذاكرة
ليل نهار.
لعل أهم ما تقدمه
الكاتبة يتلخص في نقطتين أساسيتين، أولها أن ما تورده حول تربية ابنتها يسعى إلى
عدم اعادة انتاج صور المرأة النمطية في ابنتها، فهي لا تسعى إلى تربية ابنة تتطابق
في أفكارها ومهاراتها واختياراتها الفتاة المستضعفة المقولبة طبقاً لتوقعات مجتمع
ذكوري، وإنما تسعى إلى تسليح إنسانة خلاقة مبدعة مفكرة تقف على قدم المساواة مع
زميلها في المدرسة والجامعة والعمل والحياة الزوجية، تتحمل المسئوليات كما تؤدي
الواجبات.
أما اسهام الكتاب الثاني
فنجده في قدرته الهائلة على الإلهام واضفاء الايجابية، فيتناثر بين طيات السرد الكثير
من التشجيع للمرأة، والنصائح للاستقلالية، والإيمان بالقدرات والمهارات الذاتية،
وأهمية العطاء، والصمود بايجابية في وجه الصعاب والشدائد. فهو كتاب بقلم إنسانة،
يحتفي بالإنسانة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire