Article المقال ( Fevrier)



 




إزدواج الجنسية. هل يتجزأ الولاء ؟

 


بقلم


الدكتورة ياسمين ثروت



آلمني و أغضبني و استفزني و جرحني بوست قرأته على الفيسبوك من صديقة عزيزة و زميلة دراسة... و لم أستطع التعليق عليه من وقع الألم و الشعور بالظلم و الغضب... فقررت أن أعبر عن شعوري على صفحتي التى لن تغدر بمشاعري...

 

يدور البوست حول ضعف وطنية مزدوجي الجنسية و استغلالهم لجنسيتهم المصرية كمعبر لبلوغ غايتهم حتى يتنصلوا منها و يتفاخروا بجنسيتهم الأخرى - التى غالبا ما تكون لدولة أكثر تقدما و نهوضا،  و تمادت الزميلة فى حكمها القاسي حتى أنهت كتابتها بتحية المصرى "الخالص" الذى يستحق وحده كل ثناء و تقدير...

 

أود قبل أى شىء أن ألفت نظر زميلتي إلى أن هناك مصريين "خالصين" (يا لها من كلمة بغيضة!) لا يمتون للوطنية بصلة بل ينفرون من جنسيتهم المصرية و ينظرون للجنسيات الأخرى بعين الحقد و الشعور بالقهر... إذن فلا يجوز التعميم على أى حال من الأحوال...

 

أما عن مزدوجي الجنسية... و بحكم جنسيتي المصرية التى ورثتها عن والدي و الإيطالية التي ورثتها عن والدتي، فإنني خير من يتحدث فى هذا الموضوع من واقع تجربة حياتية تعود لميلادى:

 

-        ازدواج الجنسية لا ينقص من الوطنية شيئا و لا يجزىء الإنتماء بل يضاعفه. فأنا مصرية بنسبة 100%... و إيطالية بنسبة 100%... و أفضل تشبيه يؤدى المعنى هو استقبال الأب و الأم لمولود جديد ليؤاخي الإبن البكر... فلا ينقص الحب و لا يتجزأ بل يزداد و يتضاعف و يأخذ الإبنان نصيبهما من الحب كاملا... و يسرى هذا التوازن على مزدوجي الجنسية منذ الميلاد - كحالي و حال الذين تتحدث عنهم زميلتي حيث أشارت إلى قضية الأم الأجنبية - و لا أقصد بالطبع من حصل على جنسية ثانية على كبر بواقع إقامته فى دولة أخرى أو زواجه من أجنبية... فهنا تختلف المعايير و تبقى الجنسية الأصلية هى الأقوى بطبيعة الحال، و إن استحال التعميم أيضا فالنسبية تتحكم و لكل قاعدة استثناء...

-        ازدواج الجنسية يفتح لصاحبه آفاقا لا حدود لها... تجعله ينظر للأشياء بنظرة شمولية و ممتدة و متنوعة، فتعطيه موضوعية فى حكمه على الأشياء.

 

-        ازدواج الجنسية يضاعف الثقافات و الأعراف و التقاليد، فيثرى صاحبه و يجعله أكثر انفتاحا على الآخرين...

 

-        ازدواج الجنسية يجعل صاحبه فى مقارنة مستمرة و لا شعورية و بالتالى فهو يولد شيئا من الغيرة الإيجابية تجاه الدولة الأقل تقدما أو الأقل حظا فيكون أكثر ارتباطا بحقوق الإنسان و أكثر تألما لمعاناة الشعب و أكثر تمردا على الظلم و القمع و الأوضاع السلبية بوجه عام...

 

-        رغم الولاء الكامل للدولتين فكثيرا ما يميل مزدوج الجنسية إلى التعاطف مع الدولة الأقل حظا... كحالى و حال أخي و حال معظم معارفي من مزدوجي الجنسية... فإن كان هناك مواجهة رياضية مباشرة بين مصر و إيطاليا على سبيل المثال... نميل تلقائيا إلى تشجيع مصر بكل ما أوتينا من قوة و حماس و غيرة على وطننا الذى يستحق المجد و يستحق إعجاب و احترام العالم...

 

-        بحكم مهنتي و تخصصي الذين سمحا لي السفر و الإقامة فى فرنسا فى منح دراسية... كنت دائما ما أصمم على السفر بجوازي المصري لشعوري بتمثيل مصر.. و إن اقتضى الأمر الدخول فى إجراءات الفيزا التى لا أحتاجها.. إلى جانب الإجراءات الحكومية البغيضة... و المرة الوحيدة التى اتضطررت فيها إلى تقديم جوازي الإيطالي فى فرنسا لتسهيل إقامتي بعدما عانيت الأمرين بجوازي المصري، شعرت بحزن و قهر شديدين...

 

-        إيطاليا هى محل ميلادي و أرض طفولتي و موطن أمي و أقاربي و أحبائي و ذكرياتي الجميلة و أرض الذوق و الجمال و الرقة و الرقى... و مصر هى محل إقامتي منذ الصغر و موطن أبي و أقاربي و أصدقائي و أحبائي أيضا... و أرض التاريخ و الحضارة... و رغم إننى أعشق كليهما بنسبة متساوية إلا أننى لو كنت فى موقف اختيار قهرى، فسأختار مصر... لا تسألوني لماذا...

 

-        أشعر بظلم شديد تجاه قانون منع مزدوجي الجنسية من تمثيل مصر دبلوماسيا... فهو قانون ظالم و رجعي و لا يحمي مصر من الخيانة العظمى كما يظن البعض... فالخونة لا وطن و لا دين لهم... بل أنه يحرم مصر من كفاءات عديدة و عقليات نحن فى أمس الحاجة إليها...

 

أنا و أمثالي من مزدوجي الجنسية مصريون حتى النخاع... أراد البعض أم أبى...

لا و لن أشك لوهلة فى حسن نية صديقتي فهى زميلة دراسة و أعلم تمام العلم إنها لا تقصدني...كما إنها إنسانة مثقفة و متفتحة و متألقة... و لكن أتمنى أن تعيد النظر فى كلامها القاسي عن مزدوجي الجنسية و عدم إصدار أحكام لأن الله وحده عليم بما فى القلوب...

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Poème ( Avril )

Poème ( Avril )

La Nouvelle القصة القصيرة ( Octobre )