المقال Article ( Janvier )






 مقال بعنوان



الانحراف الأخلاقي وغياب التربية

 

بقلم  

دكتور/ محمد مصطفي محروس



 

1. يعتبر أثر الانحراف في المجتمعات كبير جدًا، حيث أن هذا الانحراف لا يؤثر على الفرد فقط بل يكون أثره كبير على المجتمع أيضًا، ويمكن تسليط الضوء على هذه المشكلة ألا وهي الانحراف الأخلاقي وغياب التربية والتي انتشرت في مجتمعاتنا، ومحاولة الوصول لطريقة تغيير  وإصلاح  أثرها بشكل يجعل هذا المجتمع قادر على أن يكون مجتمعًا سليمًا معافــًا من معوقات تطوره.

2.  وبداية؛ عرف علماء الاجتماع الانحراف بأنه: الخروج عن السلوك السوي، والذي تحرمه القوانين ويستوجب عقوبات خاصة، كما يعد خروجـًا عن قيم المجتمع وتقاليده، وهناك من عرفه بأنه: كل سلوك يعارض مصلحة الجماعة في زمان ومكان محددين بصرف النظر عن كشف هوية الفاعل وتقديمه للمحكمة، ولذا فالانحراف: هو فكر وسلوك خارج عن الطريق السليم، له تأثير سلبي على المجتمع، يدل على التخلف والانحطاط، يوجب عقوبة صارمة؛ لأنه خالف القوانين والقيم الصحيحة.

3. والانحرافات الأخلاقية تزيد من الصراع والتوتر بالمجتمع، وانتشار الأمراض المجتمعية، وانتشار هذه الانحرافات يعد أحد مظاهر عدم المسايرة الاجتماعية وغياب القدوة الحسنة في المجتمع، ومن أسباب الانحراف: هناك أسباب داخلية وأخري خارجية؛ فأما الداخلية أي التي تتعلق بالفرد المنحرف سواء من الناحية الدينية أم النفسية أم العقلية، فهي قد تكون فطرية في الفرد، وقد تكون مكتسبة بعد الولادة، ويمكن توضيحها كما يلي:

أ – الوراثة: أي أن الفرد قد أخذها من والديه بواسطة الجينات، فتكتسب منهما بعض الصفات التي تظهر على الفرد، وعلى ذلك فإن للعامل الوراثي تأثير على الأبناء حتى وإنهم لا يكتسبون جميع صفات الآباء.

ب – السن: ركز العلماء على العمر؛ لأنه من أهم العوامل التي تؤدي إلى الانحراف، فالإنسان يمر بمراحل عديدة أهمها مرحلة المراهقة التي قد ينحرف الفرد فيها عن الصواب، فتتغير تصرفاته، فتنعكس على سلوكه، فيكون منحرفـًا عن الخط السليم.

ج – النوع: ونقصد به نوع - جنس الذكور أو الإناث، فقد بين الكثير من العلماء بأن الفتيات أقل انحرافـًا من الذكور، وحسب البيئة التي تعيش فيها، وأما الأسباب الخارجية فهي: ما يتعلق بالتنشئة التي نشأ فيها الفرد المنحرف، وسواء أكانت هذه الأسباب اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية، فهذا كله ينعكس على هذا الفرد وعلى سلوكه الذي يسير عليه، وهناك جملة من الأسباب تؤدي إلي الانحراف؛ نذكر منها: الاجتماعية، المدرسة، الأصدقاء، هذا بخلاف الوسائل الحديثة والتي جعلت من الانحراف هو الخروج عن النطاق الاجتماعي، وأيضاً الأسباب الاقتصادية.

4. ولذا نري أن للآباء دور عظيم في وقاية الأبناء من الانحراف وشذوذهم عن الصواب، فمن واجبات الأسرة التربية الاجتماعية والأخلاقية في تعليم الفرد الآداب الاجتماعية، وغرس القيم والفضائل الأخلاقية في نفسه حتى تصبح له منهجــًا في مقبل حياته.

5.  ويجدر بنا أن نذكر بُعد هام جدًا وهو أن لكل مجتمع انحرافاته المميزة له، وتتأثر هذه الانحرافات بالانفتاح على المجتمعات الأخرى مما يصعب دور كل من الأسرة والمدرسة والجامعة في مواجهة الانحرافات السلوكية لطلابها، لذلك ارتبطت التربية ارتباطــًا وثيقــًا بحياة المجتمع أخلاقيـًا واجتماعيـًا واقتصاديــًا، إذ أنها تؤثر في كل تغيير يحدث وتتأثر به، وحيث أن تنوع وتعدد الانحرافات السلوكية لأفراد المجتمع يؤدي إلى فقد المجتمع لهويته الخاصة والمميزة له عن باقي المجتمعات.

6. ففي الآونة الأخيرة شهدت مصر الكثير من مظاهر الانفلات الأخلاقي فمن منا لم يسمع عن أب يقتل أولاده، وأبن ينهى حياة والده أو والدته لتعاطى المخدرات، أخ يفتك بشقيقه وزوجة تقتل زوجها بمعاونة عشيقها، طلاب يعتدون على مدرسهم، ناهيك عن جرائم التحرش والاغتصاب التي باتت ضيفاً ثقيلا على حياتنا، ولا يكاد أحد في مجتمعنا لا يشكو من ارتفاع معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام، وغيرها من المظاهر الأخرى التي أسقطت الأخلاق في دوامة الفوضى الخلاقة.

7. ولكن ما أسباب هذه الحالة من التردي الخلقي؟ وكيف يمكن إنقاذ المجتمع من هذا الخطر؟ (مفيش أسرة تربي)، هكذا يمكن وصف حالة الاستياء مـن التـدهـور الأخـلاقي في المجتمع، فأن غياب دور الأسرة فـي تربية الأبـنـاء عـامـل مهم في انـحـراف سلوكهم مـا يترتب عليه من انتشار حـالات التحرش والجرائم المختلفة وعــدم الالــتــزام بالنظام والــقــوانــين وغـيـرهـا مــن مظاهر الانــــحــــراف، والتباهي بهذا السلوك المنحرف، فـتـجـد في الأســــرة انشغال الأب في توفير لقمة العيش في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها وزيادة احتياجات أسرته فيغيب عن البيت في أغلب الأوقــات فلا يجد الأبناء من يحاسبهم.

8. هذا بخلاف تـأثـيـر الأفـــلام والمسلسلات الدرامية التي تحتوى على انحلال أخلاقي ومـواد بذيئة على أخلاق وسلوكيات الأطفال والشباب سواء الأولاد أو البنات، وجعل الجاهل المجرم بطلاً ونجمـًا وثريـًا، ولذا فهناك ضــرورة لوجـــود رقـابـة مــشــددة عـلـى مـثـل هـــذه الأعـمـال الفنية لأنها أشبه بالسموم التي تـدخـل مـنـازل المـصـريـين، بالإضـافة إلي أن وجــود الإنـتـرنـت يتسبب أيضا في تدمير سلوكيات وقيم المجتمع.

9. ومن هنا يجب الاعـتراف بـوجـود انـفــلات أخـــلاقـي في المجتمع وهو من القضايا الهامة التي يجب معالجتها، ويتضمن هذا التدهور الأخلاقي العديد من الصور والأشكال منها بالتأكيد انهيار الـذوق العام، ولكن لكل مرض علاج، وهذا العلاج إذا أخذه الفرد فإنه سيرتقي بالمجتمع إلى أرقى المستويات، حيث يجب ترسيخ العقيدة الصحيحة لدى الأبناء منذ الصغر لكي لا ينحرفوا عن الطريق الصحيح، والعودة لأساليب التربية الصحيحة.

10. وبعد؛ فمن أساليب العلاج الصحيح ضرورة مراقبة الأبناء لكل عمل يعملون به سواء صغيراً أو كبيراً، اختيار أصدقاءه الصالحين وإبعادهم عن صديق السوء، اعتماد الحوار الهادئ المقنع مع من انحرف عن المنهج السليم، عدم الركون إلى ما يصدره الغرب بوسائل الإعلام الحديثة، والبعد عن التقليد العشوائي والأعمى لكل ما يأتي من الغرب، نشر مبدأ المحبة والأخوة والتعاون والتعاطف بين صفوف أفراد المجتمع.  

 



 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )