Article المقال ( Janvier)



 




d  الملك c

(8 يناير 1935 - 16 أغسطس 1977)

 



بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب

جامعة الإسكندرية


 



 

لا نبالغ إن قلنا عنه إنه أشهر مطربي القرن العشرين، فقد انتشرت أعانيه (التي تتجاوز الستمائة) إلى جميع أنحاء العالم، ولا نستطيع، بالطبع، أن نحصي الأعداد الغفيرة من معجبيه، والتي تتجاوز الملايين بلا شك. فقد نال شهرة عالمية عن طريق هوليوود، التي جعلت منه بطلاً لإحدى وثلاثين فيلماً، فساعدت في ازدياد شعبيته، وتوزيع اسطواناته وغيرها في العالم أجمع.

عرفه العالم باسمه الأول – إلفيس – وصار أيقونة على حوائط غرف نوم الآلاف المؤلفة من معجباته ومحبيه. وحطم إلفيس بريسلي جميع الأرقام القياسية لمبيعات الاسطوانات التي مازالت تنتجها الشركات العالمية بعد ما يقرب من نصف قرنٍ على وفاته.

كان المطرب الكبير يمتاز بقدرات صوتية فذة، كان من الممكن أن تجعل منه مطرباً أوبرالياً كبيراً، إلا أن أهمية إلفيس بريسلي كمطرب ومؤدي لا تعود فقط إلى إحساسه الرهيب في أداء الأغنيات العاطفية، أو اتقانه لأغنية الروك، سريعة الإيقاع، ولا حتى في أدائه المتميز لما يغنيه، من ديناميكية وحركة ايقاعية مميزة، أصبحت سمة من سمات هذا اللون الجديد من الغناء.

بل يمثل إلفيس، من وجهة النظر الثقافية والحضارية، ثورة حقيقية في الحضارة الأمريكية، ومن خلالها إلى العالم، رسمت حداً فاصلاً، بين جيل المراهقين والشباب، وقيم من سبقهم من الأجيال. بل ومن الممكن القول بأن أسلوب بريسلي في دمج الإيقاعات السريعة الإفريقية، التي تمثل الإرث الموسيقي لأمريكا السوداء، وطابع الكانتري / الريفي المميز للأغنية الشعبية البيضاء، كان بمثابة اختراق ثقافي للحائط العنصري الذي طالما ميز وفرق بين الأبيض والأسود في الثقافة الأمريكية.




من منطلق هذا المنظور، يمكننا أن نفهم أحد منطلقات الثورة الشبابية التي اندلعت في أمريكا خلال الستينيات من القرن العشرين، وكان إلفيس بريسلي المطرب الرائد الذي فرض أسلوبه على فناني العالم، من فرنسا حيث ظهر جوني هاليداي، وحلقة مطربي Salut Les Copains، وفي إيطاليا بظهور بوبي سولو، وبيبينو دي كابري، وليتل توني، وآخرين. أما في إنجلترا، فكان إلفيس السبب المباشر وراء شعبية كليف ريتشارد (الرد الإنجليزي على بريسلي)، وفرقته المتميزة The Shadows، مع ظهور وانتشار فرق إنجليزية متعددة مثل البيتلز والرولنج ستونز والأنيمالز، والعشرات من الفرق التي ما زالت تتكاثر حتى اليوم.

ولد الفيس آرون بريسلي بتيوبللو ميسيسيبي، قبل الإنتقال إلى ممفيس تنيسي، في أسرة صغيرة، لوالد اسكتلندي الأصل كان يدعى فيرنون، ووالدة – جلاديس – قيل أن أصولها تنتمي لقبيلة الشيروكي الهندية. ولذلك فقد ظهر إلفيس في فيلم رعاة بقر، ولداً وحيداً لرجل أبيض متزوج من امرأة قبلية تنتمي إلى الهنود الحمر.

كان منزل إلفيس بريسلي منزلاً متواضعاً من الخشب، شيده فيرنون بنفسه لعائلته الصغيرة، وكان دخل فيرنون – بالطبع – متواضعاً، فلم يكن له دخل ثابت من حرفة أو وظيفة، بل وأمضى عدة أشهر بالسجن عن جريمة كتابة شيك دون رصيد.




ارتبط إلفيس منذ طفولته بعلاقة وطيده مع والدته جلاديس، وظل يفتقدها بعد أن توفيت أثناء أدائه للخدمة العسكرية بألمانيا، وكانت حاضرة في قلبه وذهنه طوال ما تبقى له من العمر. أما فيرنون، فقد كانت أقصى آماله لابنه الوحيد أن يلحقه بمحل كهربائي، أو يوفق في العمل سائقاً للشاحنات.

نشأ إلفيس منطوياً خجولاً، لا يهتم إلا بالموسيقى التي كانت بمثابة الشغل الشاغل له ليلاً نهاراً أثناء دراسته المدرسية، واهتم الشاب إلفيس بالموسيقى الكنسية، كما كان دائم التردد على الملاهي الليلية التي يغني بها مطربين من السود، بل وقد كان يشاركهم بعض الأحيان في أداء أغنياتهم.

وعرف إلفيس، إلى جانب ذلك، موسيقى الريف الأمريكي country music، وكان يحضر كل ما يتسنى له من عروض Grand Ol’ Opery، وأمد فيرنون وجلاديس ابنهما بآلة الجيتار احتفالاً بعيد ميلاده، فراودت الصبي أحلام الشهرة بالغناء والتمثيل دون أية دراسة لأي من الفنين.

وذات يوم، استلفت إعلان بواجهة ستوديو اسطوانات الشمس Sun Records، بامكانية تسجيل أي هاو لاسطوانة بمبلغ خمس دولارات، فقرر للتو أن يقوم بتسجيل أغنية My Happiness، واهدائها لوالدته في عيد ميلادها.

كان سام فيليبس في هذه الأثناء، رئيس ستوديو Sun، يحلم بمطرب أبيض، قادر على أداء أغنيات السود سريعة الإيقاع، فرأى على الفور في إلفيس امكانية تحقيق حلمه الفني. وعند تسجيل إلفيس لأغنية That’s Alright Now, Mama، سارع فيليبس بارسال نسخ منها للمحطات الإذاعية المختلفة، وسرعان ما نالت شهرة واسعة، وبدا أن إلفيس هو الآخر قد بدأ في تحقيق طموحاته وحلمه بالنجومية.




رأى الكولونيل باركر في أغاني إلفيس وعروضه الموسيقية نجماً صاعداً، وتولى القيام بمهمة أول مدير محترف لأعماله. ونجح الكولونيل في الحصول على عقد من شركة RCA، كبرى شركات الاسطوانات في الولايات المتحدة، التي أصدرت على الفور أغنية Heartbreak Hotel، التي وصلت في أسابيع قليلة لقمة المبيعات، واجتذبت بدورها محطات التلفزيون المختلفة، التي تسابقت في محاولة تقديم النجم الجديد في برامج منوعاتها، وخاصة برنامج إد سوليفان للمنوعات The Ed Sullivan Show، الذي استضاف إلفيس لثلاث فقرات، جعلت منه في أقل من سنة واحدة أحب وأشهر مطرب في أمريكا.

ما كان من الممكن لهوليوود أن تتجاهل ذلك المطرب الوسيم، فانهالت عليه عقود الأفلام التي بدأها بفيلم عن الغرب الأمريكي بعنوان Love Me Tender. وبتوالي الأفلام، ازدادت شعبية المطرب الصاعد، ووصلت أفلامه لشتى أنحاء العالم.. وكان إلفيس، بالطبع، يتوق لأن يكون ممثلاً عالمياً، إلا أن هوليوود قررت أن تستثمر الممثل والمطرب الواعد عن طريق انتاج ثلاثة أفلام كل عام، متضافرة مع شركات الاسطوانات، التي رأت في كل فيلم فرصة لألبوم يوزع الملايين.

إلا أن هوليوود حصرت إلفيس في أدوار متكررة متشابهة، كان الغرض منها اظهاره بجيتاره الشهير، محاطاً بعدة فتيات جميلات، ومغنياً لألحان سريعة في وقت قياسي، لتحقيق مكاسب سهلة وسريعة عام بعد عام. فما لبث إلفيس أن ضاق ذرعاً بالنمط التقليدي لدور الشاب المستهتر الذي تطارده الحسنوات أينما حل، ممسكاً بالجيتار، ومردداً لألحان بسيطة، تعزفها فرق ليست من اختياره، ولا تزيد الأغنية فيها عن دقيقتين. قرر إلفيس في تلك الأثناء الزواج من بريسيللا، بعد خطبة غير رسمية دامت لسنوات، رزق بعدها بطفلة جميلة، أطلق عليها اسم ليزا ماري.




وكان إلفيس خلال أواخر الستينيات مدركاً تمام الإدراك للثورة التي قادها فريق البيتلز، والتي عرفت بالغزو البريطاني The British Invasion، فقرر أن يعود إلى العروض الحية، وما كان من الكولونيل إلا أن تعاقد مع شبكة تلفزيون NBC، بتقديم عرض يذاع بمناسبة الكريسماس إلى أمريكا بأسرها. وانتهز إلفيس تلك الفرصة لاستعادة عرشه المهدد، كملك للروك اند رول، بالعودة إلى أصوله الموسيقية وغنائه بعرض مبتكر، يضم إلى جانب أغنياته الكلاسيكية، فقرة عن تطور موسيقى Rhythm and Blues، ومبتدياً العرض بأغنية جديدة تعكس مسيرته الفنية بعنوان Guitarman، ومختتماً العرض بأغنية If I can Dream، تحية للزعيم الأسود الراحل مارتن لوثر كينج. فأصبح العرض بمثابة ميلاد جديد لإلفيس، وإعلان رسمي بعودة الملك.

انهالت العروض على الكولونيل باركر لاستضافة إلفيس، فاختار من بينها فندق الانترناشيونال بعاصمة الترفيه والقمار لاس فيجاس. وقررت هوليوود تبعاً لذلك أن تستعيض بعروض إلفيس الموسيقية عن بطولته للأفلام الدرامية، فانتجت فيلم Elvis, the Way It Is، عن عرضه بلاس فيجاس، وفيلم Elvis on Tour، مقتفية أثر المطرب من ولاية إلى أخرى.

دفع إلفيس ضريبة باهظة لعروضه المتتالية، من صحته وأعصابه، خاصة بعد طلاقه من بريسيللا، الحب الأوحد في حياته. وازداد احساسه بالعزلة والوحدة، وشهدت صحته انهياراً مماثلاً. فزاد وزنه بطريقة متسارعة، كما زاد اعتماده على الحبوب والأدوية، إلى أن وصل لحالة الإدمان. فبات ينسى كلمات أغانيه، وحاول أن يستعيض عن الحياة العائلية بسلسلة من المغامرات النسائية مع المعجبات.




توفي إلفيس بريسلي عام 1977، قبيل البدء في جولة موسيقية جديدة، إلا أن أعظم عرض موسيقي قدمه المطرب الكبير كان في هاواي، وتمت إذاعته على الهواء مباشرة، بإخراج متميز، حيث بدأ الحفل باستقبال إلفيس بأكاليل الورود المرحبة بالمطرب العالمي، بوضعها حول رقبته، وظهر اسمع في خلفية العرض بمختلف لغات العالم، وتغنى خلال الحفل، بالإضافة إلى كلاسيكياته، بأغنيات للبيتلز Something، وفرانك سيناترا، My Way، وجيلبير بيكو، What Now My Love، بالإضافة إلى مجموعة أغان من Blue Hawaii، فيلمه الأكثر شعبية.

لا زال إلفيس، إلى يومنا هذا، الموضوع الرئيس لعشرات الكتب، وموضوعاً أثيراً لدى هوليوود، وصوتاً يصدح من خلال شاشات التلفزيون، ومحطات الإذاعة، كما لم يحظ أي فنان من القرن العشرين، كالملك الأوحد للموسيقى الشعبية والشبابية .. الملك إلفيس.

 




بيروت، 7/1/2022           

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Décembre )