La Nouvelle القصة القصيرة ( Decembre )





   القصة القصيرة


شوكولاتة ساخنة



بقلم : مارينا ألفونس شوقى.

 

 

تظهر فى أحلامه كإنسانة سعيدة..يتطاير ورائها شعرها الأسود الكثيف الناعم الطويل..تجرى و تمرح فى مكان واسع به أشجار.. يذهب ورائها فتنظر له نظره تخطف قلبه. نظرة تجذبه إليها ولا يستطيع أن يبتعد عنها. عيناها أسودتان كبيرتان واسعتان. لمعتهما قادرة على أن تجلب عالم تحت قدميها. تنظر له نظرة ببريق خاص و تبتسم له إبتسامة ناعمة رقيقة خفيفة و تلتف و تجرى ثم تختفى فيستيقظ. يظل يتكرر هذا الحلم لأيام عديدة و يظل هو يتذكره كل دقيقة يعيشها. يتأمل ما مخزى هذه البنت. يتأمل إذا كانت موجودة حقا و على قيد الحياه. يتمنى أن يلمسها و ينظر إليها جيدا دون أن تهرب منه. يتمنى و لو يراها دقيقة واحدة. يمر كل يوم مثل قبله يحتسى قهوته ثم يذهب إلى عمله و يعود إلى بيته فى الليل و هو منغمس فى التفكير بها، ثم تأتى ليلة باردة و الشتاء يملأ البلدة و الطقس لا يطاق وهو فى طريقه عائدا إلى منزله بسيارته و إذا فجأةً يظهر أمامه باب يجعله يوقف سيارته سريعًا. فهو لا يعلم من أين ظهر هذا الباب،فهو يمر كل يوم من هذا الطريق. هل فقد طريقة بسبب الشتاء؟ هل تاه؟ أم أنه موعد موته و هذا باب الموت؟ قرر أن يستجمع قواه و يأخذ خطوة خارج سيارته حتى يذهب إلى هذا الباب. و بمجرد وقوفه أمامه إنفتح الباب. رجليه تهتز من الخوف و نبضات قلبه تتسارع حتى إنه على وشك أن يتوقف. يخطو أول خطواته داخل هذا الباب ثم فجأة لا يشعر بنفسة و كإنه فى الزمكان بين الزمان و المكان. كل الأشياء تَسّوّد أمامه حتى يرى نفسه فجأة فى مكان دافئ مصنوع من خشب. سرير صغير عليه ملاءة مشجرة بألوان دافئة. نار تشع من مكان بجانب أريكة صغيرة و طاولة صغيرة و تلفاز صغير و نور هادىء يملأ المكان بنور أصفر يدفئه. لم يشعر بهذا الدفء من قبل ولم يشعر بهذه الراحة من قبل. من أين جاء و كيف جاء إلى هنا. فهو مكان تنعدم به جاذبية المشاعر المحزنة و جاذبية التفكير السلبى. هو لا يشعر بشىء إلا السلام و الدفء و الراحة. يبدأ أن يأخذ بضع خطوات ليفهم كيف جاء إلى هنا ثم يسمع صوت لا يعرف مصدره يقول "أمنيتك تحققت" فيخطف قلبه.

يلتف للخلف ليرى من أين جاء هذا الصوت فيرى إنسانة فاتنة تلبس فستان قصير أسود اللون و تلتف حولها الملاءة المشجرة بالألوان الدافئة و تمسك بيديها كوب من الشوكولاتة الساخنة و تبتسم. إنها تشبه هذه البنت التى تظهر له فى أحلامه. فهى متطابقة تماما. يتجرأ و يسألها إذا هى التى تظهر له فى أحلامه. فتذهب لتجلس على الأريكة و تضع قدم على قدم و تأخذ رشفة من الشوكولاتة الساخنة، ثم تنظر له نظرتها الساحرة و تقول له "نعم". ارتجف من نبرتها الحادة القوية و ظل ينظر إليها و هى تشاهد التلفاز الصغير الذى أمام الأريكة. ساد الصمت فى البيت الدافىء الصغير و لكن كسرته هى و قالت "هل ستنظر لى طوال اليوم؟ إجلس بجانبى" فإبتدأ يأخذ خطوات بطيئة ليجلس بجانبها ثم قال لها " من أين تعرفيننى لكى تظهرى لى بأحلامى؟ " تضحك ضحكة صاخبة و تنظر ليدها ثم تقول " قرأت فى رواية من قبل أن أرواحنا تتسلل خارج جسدنا و نحن نيام لتذهب و ترى من نحبهم، و أنا أؤمن بذلك" فنظر لها و هو فى غير فهم و قال " و لكنك لا تعرفيننى حتى تحبيننى" فتمددت على الأريكة و هى تحتسى بعض من الشوكولاتة الساخنة ثم قالت " لقد ظهرت لى فى أحلامى، قضيت ثلاث سنوات و أنت تظهر لى فى منامى كل ليلة. كنت أراك و أنت تعمل، كنت أراك و أنت تتحدث مع زوجتك و أبنائك، كنت أراك و أنت تسير بسيارتك، كنت أراك و أنت تتكلم بالهاتف، كنت أراك و أنت تأكل. كنت أرى تفاصيل يومك و أنا لا أعلم من أنت وهل أنت حقيقى أم هذا عقلى الباطن، و لكننى تأكدت من أنك حى لأنك أمامى الآن، و كأن الله زرعك بأحلامى و زرعنى بأحلامك، هذه حياه مليئة بالغموض و الأسرار لا أحد يعلم عنها أى شىء" ثم تنظر إليه و تتحسس وجه و تقول " أنت هو مثل ما ظهرت لى فى منامى أول يوم، نفس عيناك التى تتحلى باللون البنى..الصغيرتان. نفس بشرتك الفاتحة الخمرية. نفس شعرك الأسود الناعم. كل شىء متطابق كإننى رأيتك قبل أن تظهر لى فى منامى".

ينظر إليها بإنبهار و يقول "من أنت؟" تقوم من على الأريكة و تأخذ كوبها بحضنها و تبتعد لتقف أمام النافذة التى تطل مباشرة على المحيط و كأن هذا بيت معزول على جزيرة لا أحد يعيش بها و تقول" لا أعرف من أنا، كنت أعيش فى عالمك الذى أتيت منه، كنت أعمل و كان لدى عائلة تحبنى، كان لدى الكثير من الأصدقاء و لكننى كنت أكره هذه الحياه، فهى كانت مليئة بالكآبة و الحزن. كل شخص يحمل حمل أكبر بكثير منه. كل شخص منغمس فى أفكاره. كان عالم ملىء بالظلم و الحقد. كنت أرى الشهوة فى أعين الناس. كنت أرى كيف ينظرون للعالم و للناس بنظرة سطحية ولا يعرفون ما وراء هذا الكون. كنت أرى و هم يضحكون على أشخاص لأجل المصلحة. كنت أرى أناسيّ يعيشون يوم مميت لكى يجدوا مال لأولادهم. كنت أرى الحزن بأعين الناس و هم لا يعرفون لمن يتكلمون. كنت أرى الحيرة فى أعين الملحدين، هل وجود الله حقيقى أم لا، لم أجد شىء مبهج و حقيقى فى هذا العالم، لقد تألمت كثيرا فأتخذت قرار أن أهرب إلى مكان بعيد لا يقدر أحد أن يجدنى به و من ذات الباب الذى دخلت منه أنت، أنا أيضا دخلت منه و لكنى لا أعلم حتى الآن من الذى فتحه لى و من الذى وضعه أمامى. عشت هنا خمس سنوات، أحدث نفسى فقط و لكنهم أفضل خمس سنوات بعمرى، هنا لا يوجد حزن ولا نفاق، لا يوجد ضجيج أو شهوة، لا يوجد حقد أو حسد، لا وجود للكآبة هنا. فقط السلام و السعادة و الراحة الذى يمكنك أن تشعر بهم. هذه الحياه التى تمنيتها طوال حياتى، حياه الكتب و الأفلام و الدفىء. حياه الراحة و الأستيقاظ و النوم وقت ما شئت، حياه الحرية. و لكننى مازلت لا أعرف من أنا" فقال لها " ولا تشعرين بالوحدة؟" فضحكت ضحكة رقيقة و نظرت له و قالت" العالم الذى تعيش به يكره الوحدة و يعالج مرضى التوحد و بعض منهم يخاف الوحدة، لكننى أرى شىء أخر، الوحدة هى سر السعادة، فهناك لا أحد يتحكم بك، أنت حر لأقصى درجة، يمكنك أن تجرى و تمرح يمكنم أن تصرخ حتى تسمع صدى صوتك يمكنك أن لا تتكلم على الإطلاق ولا أحد يجبرك أن تتكلم، لا تهتم بأحد ولا تصنع حساب لأحد، فقط أنت و عقلك اللذان تعيشان معا و تسرح بخيالك فى عالم من إختراعك و تعيش به شهور و أيام و تعود مجددا لحياتك، كل هذه أشياء جميلة تجعلك سعيد و لكن لا أحد فى عالمك يشعر بهذا لأنهم على يقين أن الوحدة شىء كئيب، على الرغم من أن التعامل مع البشر شىء كئيب أكثر. هذا العالم منافق" ثم تذهب إليه فى خطوات بطيئة و تضع يديها الناعمة على شعره و تجلس بجانبه ثم تقول "لكنك أنت منهم، أرى الحزن فى عيونك يتسلل إلى قلبك ليجعل محيط من الكآبة عميق جدا" ثم تمسك بيديه "هل أنت بخير؟" تنهمر الدموع من عينيه و كإنه كان ينتظر أحد ليسأله و يشعر به .. "لا". تأخذه فى حضنها الدافىء و تقول بصوت ناعم و رقيق "ما بك؟ أنا أعلم أنك لا تحب عملك ولا حياتك بهذا العالم، هل أنا على حق؟"

قال" لقد تعبت و مرضت من هذه الحياه فكل مسؤليات العالم على ، زوجتى لا تحبنى و أولادى الكبار يكرهوننى و لكننى لم أفعل لهم شىء. عملى قابل للتغير بالرغم من كافاءتى به، إبنى الصغير يعانى من السرطان، أبواى توفوا فى حادث سيارة عندما كنت فى العاشرة من عمرى لا أعرف لماذا يحدث لى هذا " و تنهمر دموعه أكثر و أكثر. ثم تنزل تحت قدميه و تمسك بيده و تقول، هذه الحياه لا تستحقك، هذه الحياه لا مخزى لها سوى الحزن و الكآبه. أنا أعيش هنا الآن و سوف أموت هنا و أتحلل هنا ولا أحد سوف يعلم بمكانى و لكننى سعيدة، فهذا بالنسبة لى أفضل بكثير من أن أعيش وسط بشر" ثم قامت و ذهبت لتضع كوب الشوكولاتة الساخنة لتصنع واحد آخر و قالت له" يمكنك الجلوس معى إذا أردت و لكنك إذا جلست معى فمن المستحيل أن تعود إلى عالمك و إذا تركتنى ف من المستحيل أن تعود لى. أتخذ قرارك. هل تريد شوكولاتة ساخنة؟" ساد الصمت فى البيت لبضع دقائق ثم سمع خطوات رجليها قادمة و أعطت له الشوكولاتة الساخنة. أبتدأ يأخذ أول رشفة ثم التى ورائها و ورائها، فهذه شوكولاتة ساخنة غير أى واحدة شربها من قبل. فكانت مصنوعة من حب و سلام و راحة. كان طعمها لذيذ حقًا. ثم نظر إليها و هي تشاهد الفيلم الرومانسى و تبتسم إبتسامة خفيفة و تحتسى الشوكولاتة الساخنة ثم ترك الكوب على الطاولة التى أمام الأريكة و أخذ منها كوبها و وضعه بجانب كوبة ثم أمسك بيديها و و نظر إلي عينيها الساحرتان و قال "سوف أعيش معك و لن أتركك." فقالت له "هل أنت واثق من قرارك هذا؟" قال لها "نعم" فقامت و أخذته من يديه و قالت "حان الآن تعرف حقيقة هذا البيت" و ذهبا معا إلى التراس فوجد نفسه ببيت فى منتصف المحيط و العالم بعيد جدا عن نظرهما

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Poème ( Avril )

Poème ( Avril )

La Nouvelle القصة القصيرة ( Octobre )