المقال Article ( Décembre )
مذكرات "هلفوت"
بقلم : الدكتور / عصام دميان
ولماذا يكتب هلفوت مذكراته ؟
قطعاً ليس لأن حياته أكثر تشويقاً
وإثارة من ملاحم العظماء ! ولكن لأنني ، بالتأكيد، لا أعرف شيئاً عن حياة العظماء،
بينما أعرف الكثير عن حياة الهلفوت كما أعيشها.
ولماذا تقرأها أنت أو تقرئينها
أنتِ ؟
في اعتقادي لأن حياة الهلفوت تمس
حياة الكثيرين ، فمن قال أن أكثريّة الناس من ذوي الشئون؟!!! فهي جديرة باهتمام
الجميع لأنها فرصة للتعارف بحياة معظم الناس .
وتتميّز مذكرات الهلفوت عن مذكرات
الشخصيّات المرموقة بدقّة الحكي والتعبير، لأن الهلفوت عادةً ما يملك الوقت
للكتابة قبل أن يشيخ وقبل أن تسلبه الأيام ذاكرته . بعكس العظماء الذين قد يملكون
كل الأشياء إلا الوقت …
وأخيراً لست أتحرّج من كتابتها
لأنها مجرد حكاية، لا عبرة فيها ولا هدف منها، ولن تتغيّر حياة أحدهم بقراءتها.
ولأصدقك القول: لن تخسر شيئاً لو
توقّفت عن القراءة الآن وعدت إلى رشدك! فلا تستهلك وقتك ونظرك فيما أكتب ، ولا
تسمح لمثلي بالتلاعب بأفكارك … أما وقد أبت نفسك ،الآمرة بالسوء ، أن تعدل عن
القراءة ، وها أنت تستمر بمطالعة كتابات الهلفوت ، فلتتحمّل وحدك تبعات قرارك، ولا
تلومّن الا نفسك.
وربما يهوّن عليك الأمر أن تعرف
أنّك قد تتعلّم الكثير والكثير، من مذكّرات كمذكراتي، غير أنك تتعلّم الكثير، فقط،
عما يجب تجنّبه. فهو نوع من العلم لا يمكن تحصيله بغير حصيلة وافرة من أخطاءٍ
كأخطائي !
تبدأ حكاية الهلفوت من حيث لا يعلم
هو بالطبع، ومن منا يعرف من أين بدأت حكايته؟ كلنا قد نعرف متى وأين ولدنا ؟ وسط
أشخاص وظروف نعرفهم أو نعرف عنهم، أما حكايتنا فهي، بالتأكيد، أقدم من هذا التاريخ
وأبعد من هذا المكان وشخصيّات الحكاية أكثر عدداً وتنوّعاً من هؤلاء. ورغم جهلنا
بأصل الحكاية وغالبية شخوصها وأحداثها ومواقعها، فنحن نلعب أدوارنا فيها، ويظن كل
منا أنه بطل القصة، ونعتقد أن أدائنا هو محض إرادتنا وحدها. ونتناسى كوننا مجرّد
تفصيليّة صغيرة ضمن لوحة كبيرة، لم تكتمل بعد.
ويعتقد الهلفوت ، كما كل متفائل في
هذه الحياة، أن أهم أحداث حياته قد باتت وشيكة . فلن تمضِ الأمور هكذا ، ولا بد وأن
حدثاً هاماً في الطريق، أو أن إنجازاً بارزاً ينتظر على الناصية القادمة ! فلا بد
من أملٍ يدفعنا إلى الاستمرار، فإن لم نجد فليس بدٌ من الاستمراء ومحاولة تجميل
الأحداث التافهة والإنجازات الوهميَة لتبدو جديرة بالمتابعة.
وحين يتورط الهلفوت ويعلن أنه بصدد
تدوين مذكّراته ، فلا يجد ما يستحق التسجيل أبدا، فضلاً عن أن يستحق القراءة ووقت
القرّاء!
فيحاول جاهداً أن يبحث بين ركام
ذكرياته، لعله يصادف ما يمكن أن يبدو، بعد كثير من التجميل والصقل والتهذيب
بالطبع، كمذكّرات الآخرين التي قرأها في مجلداتٍ فاخرة الطباعة كثيرة الأوراق.
ورغم جديّة المحاولة والجهد
المبذول، لا أجد ضالّتي. ولا أدري كيف كتب هؤلاء كل تلك السطور؟ ومن أين تأتي
الموضوعات والأفكار التي ملأت تلك المجلدات؟!
ربّما حين أصادف حدثي السعيد،
الوشيك دائماً، ربّما سأصبح شهيراً بعدها، وربّما تتحوّل أحداث حياتي اليوميّة
البسيطة إلى موضع اهتمام القرّاء ومثار فضولهم ، وأرتع حينها بين تلا فيف الذكريات
بلا حرج، وأقص على الناس رواياتي التافهة وقد صارت في عيونهم شيّقة ! قد يجد
أحدهم، وقتها، في تجاربي وخبرات حياتي ما لم أجده أنا لنفسي. وقد تبدو
إخفاقاتي في نظره ، كأول درجات سلم النجاح. وربما يرى ساذج في أخطائي ملامح النبوغ
الدفين، وفي عثراتي الأمل لخائبي الرجاء! وستحتدم مناقشات في تفسير مواقفي ، التي
فشلت أنا في تفسيرها ، وسيدافع عنّي أحدهم بأكثر مما قد أدافع أنا، وربما يبرّرني
حيث أدين أنا ذاتي! ويدّعي آخرون عليّ ما ليس فيّ! ويقسم أحدهم أن أمرًا كان هكذا،
وآخر يغلّظ أقسامه أن لا بل كان كذلك، بينما لا أعرف أنا يقيناً، حقيقة ما يقسمون
عليه!
هكذا جرت الأمور وربما ستظل تجري
هكذا إلى انقضاء الدهر، فطفولة المشاهير مهما كانت تقليديَة ومتكرّرة، ستبدو بعد
شهرتهم واعدة! وحماقات شبابهم، وربما جرائمه، ستبدو كإرهاصات النبوغ وأدلة ثراء
التجربة ! فقط إذا أصابتهم الشهرة !
فإذا صادفت حدثي السعيد فسوف
ينالني ما نال كل المشاهير ، وستصبح مذكراتي حينها موضع اهتمام البعض، وتفا هات
حياتي موضوعات للجدل، وسترقى أخطائي حينها إلى درجة الفضائح، ونتائجها إلى مرتبة
العِبَر.
وعلى ذلك فقد رأيت تأجيل كتابة
مذكّراتي حتى يحين موعدي مع الشهرة، فإلى لقاء إن شاء الله.
Commentaires
Enregistrer un commentaire