المقال Article ( Décembre )
عُلِم، مع الشكر
بقلم : الدكتور / عصام دميان
الآن وقد بلغت سنوات العمر ذاك
الرقم الذي كنت تعدّه ، في صباك ، من الأرقام الفلكيّة التي لا يبلغها سوى الآباء
والأجداد . وقت كنت تتخيَل أنّك مستقرّ في شبابٍ دائم ، وأنك كائن متفرّد ذو حد
أقصى لا ينبغي لسنوات عمرك أن تتجاوزه ! وأنك تقبع بعيداً عن كل هذا الهراء الذي
يصيب ،فقط ، الآخرين.
وها هي السنين قد خرقت قانونك
الأخرق هذا ، وتجاوزت الأيام حدودها الوهميّة التي صورها لك خيالك المريض.وها نحن
نكتشف أنفسنا كما نكتشف العالم، ونفاجأ بأن معرفتنا بذواتنا أقل بكثير من معرفتنا
بالعالم من حولنا . فجميعنا نقرأ ونتعلّم عن العالم وعناصره وجغرافيته وتاريخه
وأحيائه ، بينما لم أتعلم عنّي شيئاً ! ولا اهتم أحدهم بدراستي ! ولم ألتقِ كتاباً
واحداً يشرح ذاتي ! أو يفسر لي نفسي ! علم النفس؟؟!!! كنت أظنك تفهمني ! انه علم
نفس الآخرين !
فقد شغلنا العالم ، الذي يبدو
شيّقاً في باديء الأمر ، عن محاولة قراءة نفوسنا التي ألفناها دون أن ندري عنها
شيئاً ، وسلّمنا بها، ولم نملك خياراً، وسلّمناها قيادتنا بلا اختبار ولا تقييم
ولا تقويم ، ولا نجد في ذلك أي غضاضة…الى أن يصدمنا العالم ويفرض إملاءاته السخيفة
، فنكفَ عن الانبهار، ونفقد شغفنا به ، ونفجع بما ترتكب النفوس التي تخيلناها تعرف
الطريق.
الآن نعلم أنّنا كالاخرين الذين
يكبرون ويشيخون ، وأنّنا كالاخرين الذين يخطئون، ويذنبون، كالذين يبلون حسناً
وكالذين يخفقون . نحن مثل هؤلاء الاذكياء حيناً، وآياتٍ في الغباء أحياناً. نفيض
حناناً وتفهّماً ، و نبالغ في القسوة والتجاهل ! نحن مثلهم، نحن كغيرنا مختلفين !
وجميعنا متشابهين!
نحن حقاً كالآخرين ، الذين يعيشون
ويحلمون ، ويعملون ،وينجحون ويفشلون ، ويصلحون ويفسدون ،ويصدقون ويكذبون ،ويؤمنون
و يلحدون ، و يخلصون و يخونون ، ويبدعون ويقلدون…تماماً كالآخرين: الذين يعيشون ،
ومن ثم ، يموتون.
Commentaires
Enregistrer un commentaire