La Nouvelle القصة القصيرة (Juin)



 



قصة قصيرة    

 


"اخت سعاد "


 

  بقلم : بيتر يوسف  




لم تتوقف عن النظر لوالديها أثناء مرورها على السرير المتحرك باتجاه غرفة الطوارئ في المستشفى الجامعي العام ، بدانة الأم لم تعوقها على الجري ولم تمنعها من البكاء هكذا كان الاب الذي ينظر لها بنظرات الطمأنينة  بينما تلتفت خائفة ، الابنة تتألم على بشده، فهي تتألم منذ فترة ولكن الالام خفيفة لا تستدعي الذهاب حتي استشارة طبيب صيدلي، بعض الشكوى وبعض الردود الباهتة مثل " مانتي لازم تاكلى اكتر " " علشان ضعفانه " ومن حين لأخر  تسألها امها عن عادتها الشهرية وانها قد تكون مسببة لكل تلك الآلام الحديثة ، كان على الابنة تصديق امها وابيها في كل حال خصوصاً انهم الاكثر حرصاً على صحتها وعلى حياتها .

منذ أن كانت صبية وهي تعرف ذلك ، رغم عدم وجود شواهد أو ادلة واضحة ، هي لم تتلقى تعليم كامل  رغم تفوقها في الشهادة الابتدائية إلا أن الأم أصرت على خروجها من المدرسة مدعية انها حان الوقت لتساعدها في أعبائها المنزلية وعلى هذا النحو صارت الامور.

منذ أشهر كانت تحتفل بعيد ميلادها الثامن عشر بمفردها وعلى طبيعة الحال لم يتذكر احد من اسرتها موعد مولدها ، كانت تجلس على الاريكة حاملة هاتفها في يديها  بينما كانت الام تجلس هي الأخرى بلا عمل ولكنها بدون مقدمات طالبت من الابنة غسيل الملابس وتحضير غذاء اليوم ، ذكرت  الابنة أمها بطريقة طفولية صبيانية  انه اليوم يوم مولدها وعليها الاحتفال بعدم ممارسة أعمال شاقة  إلا أن الأم قابلت تلك الامنية بخطبة ذات أبعاد مجتمعية بعض العبارات بها تظير صريح واختتمت تلك الخطبة بأن جسدها الهزيل يسلب منها عمرها الحقيقي وانها مثل سعاد اختها الصغري التي في عمر التاسعة !!

بالحقيقة لم يكن هذا الحديث الاول عن جسدها النحيف بل هو حديث متكرر وغير متجدد ، يبدأ دوماً " لما كنت في سنك كنت متجوزة ابوكي ومخلفه اخوكي " وينتهي " اللي يشوفك يقول انك لسه صغيرة و هتعنسى "  سألت نفسها دوماً ما ذنبها ان جسدها نحيف؟ وأن لا تبدوا عليها علامات الأنوثة الكاملة ؟ هل نقص هرمونات؟! هل تغذية خاطئة؟! ، هل بسبب الحسد انها الابنة  الأولى في تعداد الأبناء الذكور لهذه العائلة ! كان الصوت بداخلها يقول لها ليس عليها ذنب !

شكيت امها لابيها ذات مرة بدموع كثيرة ، اخبرته بتعير امها المستمر لها ،حاول إرضاءها  وتطيب خاطرها بكلمات صغيرة ، احتضنها وهو يعرف قيمة الحضن رغم أنه لم يتربى تربية ايجابية حديثة ولم يظفر قبلاً بعناق ابوى خالص من الهموم والعتاب الا انه عانقها لانه احس بمرارة في حلقها ، حين تكون الام وظيفة وليست شعور تنجب أبناء لخدمتها ، الأم كانت تريد ابنه لتخدمها هي  وتساعدها في امور البيت بينما طلب الأب ابنه لينعم بالحنان والدفئ ، الابنة بالنسبة للرجل هي امتداد الحب الذي يقتل بالمسئولية ، الابنة هي الحنان المتدفق للحياة له ، الأب كان له موقف مشرف امام عائلته وعائلته زوجته الذين طلبوا منه ختان الابنه وهو رفض ، اتو له إفتاءات شتى من شيوخ اما هو افتي قلبه الذي توحش عليهم و كان يريد افتراسهم واحد تلو الاخر حتى هدد زوجته بالطلاق إذا كررت طلبتها بختان الابنة...

للمرة الأولى أحست الابنة أنها امرأة لم تحسها عندما بدأ أعراض الطمث عليها ، تتذكر اليوم الاول لظهور الدم في فرجها ، احست بدهشة لم تلقنها أمها اى شيء عند ذلك التوجع الشديد ولا الشعور بالهذيان و لا العظام المتكسرة يجمعها جسد يدعي الحركة . لم تخبرها أمها عن يد الله بداخلها الذي يعمل بداخلها واشراكها معه في الخلقة ، اخبرتها فقط انه يجب عليكي الان ان تتحجب وتتجنب أشياء كثيرة ، ماذا عن الدماء التي تسيل ومن أين أتت ولما كل هذا الوجع الشديد ؟! لم تجيب امها عن تساؤلاتها تاركه للايام ات تجيبها ، والايام تجيب بطبيعة الحال ولكن مع خسائر باهظة الثمن والكلفة .

في كثير من الأحيان كانت الأم تتحدث معها على كيفية اجتذاب عريس من الأسواق عن طريق السير بجدية كعسكري الدرج ،وهذا ما جذب انتباه والدها ولكنها كانت "بنت" ملفته ايها أنه يجب أن يمتلئ جسدها من الدهون لتجذب الرجال!! تلك كانت شكواها المستمرة وأن لا طريق لها للزواج سوى ان تمتلئ. بحث الامر مع الجيران والعطار والصيدلي وكلاً ادلى برأيه ووصفته للامتلاء من البخور اثناء صلاة الجمعة إلى الحلبة المعقودة. 

الإعياء الشديد جعلها في المشفى سبعة أيام بكاملهم ، لم تبيت خارج بيتها مطلقاً كانت تلك هي أولى الأيام وكانت بمثابة النزهة ، لأول مرة ترى اناس جدد على أيام متواصلة ،  البعض يتابعها ويهتم لأمرها ويسألها ، البعض يخدمها . ولا تزال الأم تصر على عودتها إلى البيت لان ذلك الأفضل لها مما جعل الطبيب المعالج ينتهرها بشدة واردف ان اعتلالها بسببها وضمير ميت لدكتور صيدلي . سكتت الام لبرهة ودهش الأب الذي استفسر مرة أخرى عن سبب قول الطبيب ذلك .

صرح لهم الطبيب أن سبب مرض الابنة هي جرعات من الكورتيزول المعروف بالكورتيزون ، ناولته الام لابنتها بدافع زيادة وزنها بعد استشارة طبيب صيدلي واقتراحات متعددة لفواتح الشهية لكن بدون جدوى ، اوضح ان هذا الدواء خطير ويستخدم بجرعات محددة في أضيق الحدود وانه غير آمن بالمرة يؤدي لكوارث إذا استخدم بدون إشراف طبي.

لم يتمالك الأب نفسه الا وانهال على الام بضربها ، كيف ان يكون الحب طريق للتهلكه والابادة !! حاول الطبيب تهدئة الاب والابنة والام موجههم أنه قد تداركوا الأمر الآن وان الامور يجب ان تسير بشكل صحيح فيما همس للاب جانباً أنه كان عليه أن يظل حازماً منذ حادثة الختان وأنه يجب الانتباه الى الاخت الصغري سعاد لكي لا تسير في اتجاه الاخت الكبرى .

 


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )