La Nouvelle القصة القصيرة (Juin)



 



قصة قصيرة    


 

الطريق الضائع 


 

  بقلم : بيتر يوسف  




ارتدى سرواله بعدما افرغ ما في جعبته بجدسها، اعتاد استجار فتاة من حين لأخر ولكن بشروط تعجيزية  فهو لا يحب الصراخ والتأوهات، يطلf بان يكون المحرك الرئيسى لمجريات العلاقة ولا يطلب ائ شيء غير طبيعي مابين امرأة ورجل ويرفض اي ممارسة غير طبيعية، اخرج بعضهن حين اصدرن صوتاً لم يكن عالياً مطلقاً ولكنه  لم يبخس بحقهن في المال المتفق عليه مسبقاً. استقر على اثنتين يبادل بينهما حين تمتلكه شهوته. لم تكن الشهوة هي المحرك الرئيسي له بل كان الدافع دائماً وابداً هو السيطرة .

السيطرة تبدو كلمة خفيفة الظل سهة الوصول لها ولكن لم يصل إليها مطلقاً.  لم يسيطر على حياته، مرت امام عينه ولم يعرف اين ذهبت تلك السنوات الضائعة هباءاً مابين العمل والمنزل. يتذكر حين اشتدت ساقه وصلب فؤاده انه كان يحمل في مخيلته احلاماً كثيرة لبناء عظيم. اولها ان يصبح مهندس مدني الذي لم يحمله ولا حتى بالقب ولم يمر بداخل كلية الهندسة ولكنه مر بجانبها مراراً.

ذات مرة حينما كان يسير مع ابيه في مرحلة ماقبل الحداثة؛ تلك المرحلة التي تختلط فيها احلام الطفولة باحلام الأباء فنردد احلامهم على السنتنا كأنها احلامنا ،حين فصح عن الكلية التي يريد الانضمام لها وقال بكل عزم اريد كلية الهندسة، انتهز ابيه فرصة المرور بجوار المبنى الضخم ونظر إليه بشدة ثم قال

:علشان تخش هنا محتاج مجموع كبير، زي السوق عايز تيجب طماطم من على وش القفص لازم تبقي معاك تمنها انما لو معكش هتجيب طماطم مفعصة على قد فلوسك.

كنت اظن في بدء الأمر ان المجموع سهل الوصول اليه مثلما تظن ان الاموال سهلة الحصول عليها!! كلا كلاهما صعب المنال وكلاهما لابد ان تتهيئ لهما. هذا لم يعلمه لي ابي ولم تعلمه لي المدرسة وفصول التقوية بل علمتني اياه الحياة. نتسأل دوماً هل للحياة معنى ؟! اذا كانت الاجابة في معنى واحد فقط فاعلم ان حياتك قاصرة بل مستصغرة !! الحياة لها معانى كثيرة وتعني الكثير للذين يحبوها. دوماً سأل ابي مؤخراً ما معنى الحياة اذا مرضت واعتللت وظلت قاصرة بين غرفتين !! لا اجد الاجابة الصادقة فانا لا اعرف معني الحياة التي تفرض عليك اموراً لا طائل لك بها سوى انك في هذا المكان وتحت هذا السقف.

حياة بلا سيطرة اشبة بسفينة عملاقة تبحر في المحيط الهادي لا تعرف اتجاة ولا وجه ولا سبيل لها الا طريق ضائع تحاول اكتشافه والتماس خبرات متناثرة تنتهي بغرق السفينة او بموت قبطانها. حاول القبطان السيطرة على السفينة كلما رأي جدزيرة يرسوا عليها لكن يحول حائل بين السيطرة وبينه، تارة بالموت وتارة بالمسؤلية وتارة بالعمر وهلما تارة تلو تارة وهو لا يحرك ساكناً. الازمة الكلية التي يرها انه لم يتعلم شيئاً لانه كان يجهل القيادة بنفسه. الاب  المتسلط دائماً ما يضعف ابناءه رغم سلطويته النابعة من حبه الزائد إلا انه لا يربي ابناء؛ كان ابيه قبل اعتلاله يتحكم في حياته بشكل يدعو للأستنفار، في جلسته مع اصدقاءه ،في اوقات عودته، حتي في ملابسه الداخلية. هل بعد كل التحكم هذا يستطيع ان يصل الي حلمه الكبير!!  فهو لم يعلمني طريق الذهاب الي السوق للتسوق، لم يعلمني كيف ادبر النقود، لم يعلمني ما شكل الطماطم الجيدة ؟! ابي لم يعلمني شيئاً عن الحياة وما تعلمته كان بواسطة الحياة نفسها.

كان يريد السيطرة على حياته، حاول في كل مرحلة الوصول لأقصى حلم فيها بشغف، كان يرتب حياته بترتب زمني رغم اخفاقه في التحاقه بكلية الهندسة لكنه التحق بكلية الشعب _تجارة _ ومن هنا بدأ يتحسس الطريق الذي لم يمهد له مطلقاً حتى وفاة امه ثم مرض ابيه بالسكري وبتر قدميه وفقدان بصره اصبحت من هنا حياته ليست له وفقد اخر طرف كان ممسك به للسيطرة .

 اشعلت سيجارة وممرتها الي فمه ومالت عليه وهي تتحسس جسده بينما هو ربت على كتفيها بحنو، قالت له ذات مرة انها تشعر معه انها انثى لها كل المشاعر التي من حقها ان تمارسها ، نظر الي السجارة بتمعن وكانه يخاطبها، حركت يدها على عيناه فلم يلتفت ثم نظر لها

: انتي عارفة انا اتعلمت السجاير في نفس السن اللي ابويا شرب فيه سجاير ،بس هو شربها علشان ابوه مات وانا بشربها علشان لسه عايش !!

 تنهد بقوة احس انه اخرج ثقل من قلبه تنهد والثقل لازال يقيده ولا يعرف كيف الانفلات منه . نظرت له واحتضنته اما هو تبسم ابتسامة المسالم تماماً لكل الاقدار، للعبث بالحلم واراقة الامنيات ،للضربات والكدمات، حتى وان اراده اخصاءه الآن لايبالي!!

العجز؛اصعب ما يصل اليه احساس المرء فكوننا كائنات حية فتمثل حياتنا في قدرتنا على المقاومة والتكيف، اما التكيف فقط يجعل المرء هزيل يفكر في الانتحار ولا يقدر،يفكر في القتل ولا يستطيع، يفكر في الهروب ولا يجد مفر. التكيف آفه مرابطة لمن فقدوا السيطرة على حياتهم.

بخطوات خفيفة ودعها فتح الباب المغلق بترباسين مشاوراً لها بأصبعين الابهام والخنصر معطيها شكل التلفون، اغلق الباب برفق ، احس الاب فصرخ بدوره

:مين ؟!!

: انا ياحاج

: ايه اللي خلاك تفتح الباب بعد ما قفلته

:الزبالة ... بطلع الزبالة برة علشان نستها

:تحرك الابن تجاه غرفة ابيه وقبل جبهته وحمله من على السرير اجلسه على الاريكة ، احضر له الاكل والدواء ثم حمله مرة اخري ليقوم بتحميمه والعوده به الي سريره. كان عليه اتمام ذلك يومياً فور عودته من العمل ولا يبرح مكاناً اخر سوى المنزل وكلما يفكر انه القدر احتسب نفسه يسير في الطريق الضائع


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )