La Nouvelle القصة القصيرة (Juin)





قصة قصيرة    

 


استدعاء ولي أمر 


 

  بقلم : بيتر يوسف  




على غرار كل يوم يجلس على مكتبه منهمك في عمله لا يهتم إلا به،  فهو مثال للموظف الروتيني الجيد، لا يتحرك كثيراً لا يهتم باصوات عليا ولا همهمات سفلى ، هادي الطباع لا يثرثر ولا يتجاذب اطراف الحديث ، يعمل ما طلب منه في صمت، يؤكل اليه اعمال المقصيرين في صمت وينهيها في صمت، يفزون هم بمناصب اعلى وهو يظل ساكناً في صمت، لا يعنيه شيء ولا ينتظر شيء، فلا يكتئب ولا يطير من السعادة.

حالت حالة من الغموض والحيرة حوله من جميع زملاءه الذين حاولوا ان يشترك مهم في انشطة مثل التنزه  بالاجازة الاسبوعية الذي كان قراره الرفض التام،  ايضا كل شهر كان يجتمعون لتهنئة من كانت يوم مولده في هذا الشهر وهو لا يجتمع معهم رغم اشتراكه في الهدية المقدمة، حتى يوم ما يجتمعون لأجله كان يقف بأبتسامة خاوية باهته في وسطهم ويعود سريعاً لمكتبه ، فسروا البعض انه ذلك خجلاً او انه انطوائي ولكنه كان مسالم لأبعد درجة.

طرق الباب مستر هانى مسؤول الموارد البشرية، انتبه الجميع  بل جحظت عيونهم، فهو مثل عزرائيل لايحمل الخير ابداً بل يحمل مصائب رغم كونه ملاك!! فهو مثل الافلام السنيمائية حين يظهر الشرير في العمل الدرامي مرتين يقول في احداها "انا مابتشفش غير مرة واحدة المرة التانية بموتك"، كان ينتهج مستر هانى نفس الاسلوب فلا ينذر قبل الخصم ولا ينبه قبل الطرد!  يتابع عمله عن طريق الهواتف ويرسل التقارير العامة والخاصة عبر الواتساب والاهمية القصوى عبر البريد الالكتروني. ابتسم له الجميع ابتسامة صفراوية غير معبرة عن الحقيقة التي بداخل كل فرد فيهم ، في ثواني قبل ان يوجه حديثه للشخص المعني، تابعوا اعمالهم بجدية هلى عكس المعتاد، اظهر كل واحد انشغالة وهو في داخله يلقي العملة المعدينة ليتسائل هل هو المراد؟ وهل يصيبه سهم الموت والاقالة ؟ الكل يعرف انه مقصر ولكن لا احد يبالي، انزعجت احداهن وقالت بصوت مرتفع قليلاً " ماهو مش كل مرة بقي " مما جعل لهاني يلتفت اليها ورمقها بنظرة هي تعرف معناها.

اتجه هاني الي مكتب تشارلز الموظف الهمام  امير الصمت وايقونته، انحني قليلاً بينما ارتفعت عيناه وقال بصوت خفيض " عايزينك في الشئون القانونية ، تعالى ورايا "، امتلكت الريبة قلب تشارلز كما امتلكت اصدقاء مكتبه ، ماذا فعل لكي يذهب الي الشئون القانونية ، اختلس شيئاً ما، اضاف بعض بيانات العملاء لنفسه دون وجه حق !! انتشر الخبر كالشرارة في الهشيم وعرف الجميع انه للتو توجد مذبحة كبرى. بعض الشركات تنتهج هذا النهج ، يقمون بمذبحة لأكفأ موظفيها ليكون عبرة للقاصي والداني ، الحقيقة ان تلك الشركات تظل على الهامش لن تصير مثل الشركات العملاقة ان لم تنتهي في مهدها!!

يسير تشارلز في كوريدور طويل خلف هاني الذي يلقي النظرات على الماكتب بينما تتجه انظار الجالسين على تشارلز الذي اخذ يفحص نفسه ما الخطأ الذي قام به مؤخراً يستوجب التحقيق ؟! هل لانه يوافق على اسناد اي عمل له دون تخصصه بل وينجزه بأفضل وسيلة ؟! اذن فاصبحت الشركة عادلة في حين انها قد تظلمه بالخصم !! ام اشتكته تلك الموظفة اللعوب التي تتمايل عليه من حين لأخر انه لم يتجاوب معها، هو يعرف انها تتمايل على الجميع بل واكثر من ذلك، حسناً هذا لا شأن لي الا اذا تم ترقيتها هي وصارت مدير الشئون القانونية فأهلاً بي كيوسف الصديق الملقي في سجن لأجل عفته !! رغم انه ساورته الشهوة مراراً ان يصيرا سوياً وهي تريد ذلك.

الطريق مازال طويلاً رغم ان الشركة ليست مقامة على مساحة فدان بل هي شقة صغيرة لا تتجاوز الثلاثمائة متراً، السير خلف هاني حمل في قلب تشارلز ذكرى استدعاءان اللذان حصل عليهما في صغره، في كل مرة كان يسير خلف والدته منكساً الرأس يلمح بأطراف عينه عيون الاخرين مثل الأن.

فالاستدعاء الأول كان في سن لا يتجاوز الخامسة من عمره، حين سألته احدى السيرات عن عمل ابيه فقال بكل تلقائية طفولية " بابا شغال مقفص "  اعادت السير عليه السؤال فرد مجدداً بتلك الاجابة " مقفص ...بتاع بسكوت "  لم تفهم حينها السير طبيعة عمل الأب إلا حين استدعت الأم التي قالت لها أن مقصده " موظف " بينما استفسرت عن  البسكويت فردت الأم انه يهديه كل يوم عند عودته من العمل البسكوت كنوع من انواع المكافأة. انطلقت ضحكة خفيه على وجه تشارلز حين تذكر تلك الحادثة، دخل الي المكتب وكان مجتمع مدير الشئون القانونية ومعه مستر هاني والمرأة اللعوب، جلس وشرد حينها في الحادثة الثانية التي كان في الصف الأول الابتدائي، قدمت لأمه ورقة استدعاء وحين أتت سألت لماذا ؟ فقيل لها انه شوهد اثناء الفسحة المدرسية  يحمل زميلته ويطوف يها الفناء كله، اثارت الدهشة الام وحين سؤاله اومأ بالايجاب وانه فعل ذلك مثلما يفعل مع اخته الصغرى. لكن تلك اللعوب الكبري تحتاج إلى ان يحملها بطريقة مختلفة. امه صرحت له ذات مرة انه اسمه هذا لم يكن تميناً بشيء سوى كان بطل المسلسل الاجنبي الذي تشاهدة على القناة الثانية يومياً وكانت تأمل ان يصبح مثله " دكتور بس مقطع السمكة وديلها ". وهاهو موظف روتيني خائب لا يقدر حتى ان ينظر في وجه فتاة، حتى وان كانت لعوب !!

قطع شروده مدير القسم وسأله عن حالته الاجتماعية متزوج، خاطب ،في مشروع زواج فرد ، لا ... بس ربنا يسهل

سألته الفتاة اللعوب عن اصدقائه وهل يقضي معهم وقت، وجه نظرة الي المدير ثانياً ثم اردف انه اصدقاءه  الحقيقيين مهاجرين ومن حين لآخر يحتسي فنجال قهوة على المقهي وحيداً وهذا لايؤثر فيه مطلقاً ويركز في عمله بجدية

وسأل تشارلز: هو انا عملت مشكلة ؟!!

ضحكوا جميعاً ثم تحدث هاني: لا... كل ما في الامر ان بقالك 3 سنين معانا مخدش فيهم اجازات الا مرات قليلة وهي عبارة عن يوم واحد، فحابين نقولك انت عندك اسبوعين اجازة مدفعين الاجر علشان تنبسط فيهم وبردوا تشحن طاقتك . انت مثالوقدوة وقررنا نعمل ده مع كل المخلصين للشركة اللي زيك.

: يعني مافيش رفد !!

:لا مافيش رفد، المهم عايزينك تنبسط في الاجازة

خرج تشارلز من لدنهم وهو يحمل هماً اين يقضى اجازته الاجبارية هذه، لم يعتاد ان يلتقي اصدقاء وليس هو "زيير النساء" حتى يقضى ليالين في احضانهن، تمنى من قلبه ان يكون ذلك الاستدعاء مثل ما سبق من استدعاءات ان تعنفه وتحتويه ويعود ادراجه مواصلاً الحضور والعمل بدون اختلاف.

 

 

 

 

 

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )