La Nouvelle القصة القصيرة (Mai )



 




قصة قصيرة    

 



الاجتماع الأخير.



 

  بقلم : بيتر يوسف  





ابتاع الجريدة الاسبوعية من كشك الجرائد والمجلات المصورة في منطقته النائية  التي كان يملكها رجل بدين ذو بشرة سمراء وضحكة بيضاء لم يكن بينهما أي حديث غير السؤال على جريدته المفضلة التي يبتاعها من حين لآخر. هذا الرجل معروف بزملكاويته الشديدة التي طالما سمع أحاديث عن التحكيم والمؤامرات بينه وبين اخرين  الذي ربما احتدم الأمر ليصل الي نقاشاٍ بصوت مرتفع إذا كان الحديث مع  مشجع من الغريم التقليدي بينما انا كانت تعلة على وجنتاي ابتسامة بلهاء ؛ العالم مضطرب وممتلئ بالسخافات والأحداث الدامية وهؤلاء يتبارون على قطعة من الكاوتشوك الدائري واثنين وعشرين شخصاً ذو أهلية يجرون ورائها  فأنه العبث في أبهى صورة له . لكن هذا كان لا يعنيه لم يعتاد التدخل في شيء مطلقاً او حوار لم يدعوه احداً للاشتراك فيه ولكنه يملك لكل قضية رأي ونظرية وحل محتفظاً لنفسه بطريق لا يسير فيه إلاه ، يجلس على المقهى بعد عودته من عمله يحتسي فنجاناً من القهوة ومعه سيجارة واحدة ، يذهب للمزين مرة كل شهر يلقي السلام ويجلس في هدوء يحلق شعره في هدوء ويمشي في هدوء ، حاول "المزين " مرة أن يقيم معه حواراً ولكنه فوجئ برد مقتضب ووراءه : مش بحب اتكلم . ساد الصمت ومن وقتها فهم المزين أنه زبونه  هذا ليس كالجميع  وصارت له عادة جديدة كلما آتى هى الصمت .

الصمت كانت اللغة التي يتقنها "مرعي"، مرعي الذي يعيش  في بيت العائلة  لم يبقى احداً داخله سواه ، جميع افراد العائلة لكنهم اعتادوا أن يزوره كل شهر مرة ، يجتمعون يأكلون ويضحكون ثم يمشون سريعاً ، حتى وسطهم كان الصمت رفيقة ، فهو اشبة بحارس البيت وليس صاحبه ، يعرف أنهم يأتون كل شهر لا للاطمئنان عليه بل للاطمئنان على البيت الذي يحلم كل منهم بالإرث فيه ، فهم يأتون ليوقعوا في كشف الحضور العائلي ، ذات مرة فتح أحدهم انه يجب أن نبيع البيت ويذهب لكل وارث قسمه ، ومن هنا كانت البداية لنهاية كل شيئ فقد اتفقوا سريعاً على بيع البيت وتحديد الارث للكل الورثه ومن ثم جاء مرعي ، الذي لم يعترض مطلقاً على افكار البيع ولا فكر إلى أين يذهب ؟ كل ما فكر فيه أن هذا الاجتماع العائلي سيذهب سدى ؟

الاجتماع العائلي كان هو محور حياة مرعي ، كان يبالي به أكثر مما يتخيل أحد ، مرعي كان يبالي بالجميع دون كلام ودون تعبير ، فذات يوم ذهب الى المزين وجده يبكي وحيداً ، احتال عليه في الخروج بداعي وصول رسالة عاجلة من صديق يطلبه في أمر هام ليتركه في تلك اللحظة الغالية ، أن تبكي في مكان عملك أشبه بعاصفة تعبر بك ولا تقدر أن تتجاوزها بمفردك ولكن الحل أن تتجاوزها بمفردك ، فهي معادلة عويصة الفهم ،كان يمكن ان يبكي في بيته البيت حصن وملاذ آمن ولكن ان تكون انت الملاذ والحصن لا يجب ان يراك احداً من أهل بيتك مهوزماً وكان ذلك منطق مرعي ، ظل طيلة أسبوع  يسير أمام محل المزين ويخطف نظرات خلسة ليطمئن عليه انه عاود حياته بشكل طبيعي .

ايضاً ذلك بائع الجرائد حين عرف أنه توفي أصيب بحالة من الفاجعة حين عرف أنه كان مصدر رزقه الوحيد له ولأبنتاه وزوجته ، احس انه عليه ان يفعل شيئ لكي يساعدهم ، احس بمسئولية تجاههم ولكنه لا يملك المال ، ولا يملك جرأة عرض المساعدة ،فكر في حيلة ربما تبدو ذكية الى حد ما وهو شراء العدد الاسبوعي من جريدته التي يفضلها مع بعض الكتب  والمجلات الاخرى وهكذا يوفر شبه راتب اسبوعي لهن.

مرت مؤخراً ضائقة مالية أثر فقدانه لعمله وكان موعد الاجتماع الشهري فكر ما عساه أن يقدمه لهم وخصوصاً انه قد يبدو انه الاجتماع الاخير ، فوجدوا مشتراً للبيت  وعرفوا ما قيمة البيت في المجمل ، فكر مرعي أن يكون الختام لأئقاً بعائلة كريمة أحبها في صمت ، احبها حين يجتمعون ويضحكون ، شدد عليهم مراراً أن لايأتوا بأي نوع من انواع الهدايا سواء عصير او مشروبات او حلويات ، كل شيئ  متاحاً في بيت العائلة ، كان معه مبلغ صغير من الجنيهات ، فكر كيف يوفر مبلغاً اخر ، انتبه لرف ملابسه ، كان من حين لأخر يبتاع كم قميصاً وبنطالاً احذيه  ويتركها لا يستعملها ، أخرج قميصين وبنطالين مع حذاء بني وذهب في المقهى الذي يرتاد عليه وعلى تلك الطقطوقة كتب على ورقة كرتونية " قميص وبنطلون وجزمة ب 500ج فقط "  انتبه البعض وفاصل البعض وأخيراً باع كا خرج به وكان منتشي للغاية ، ذهب لمطعم فخم  وطلب غذاء يكفي 10 افراد  وابتاع حلويات وجهز المائدة للعائلة التي استقبلها ببشاشة ، الجميع انبهر مما فعله مرعي ، سمع تعليقات اثنت عليه " اول  مرة احس اني ابونا معانا " " دي مش عزومة دي وليمة "  وكل اطراء عليه كان يفرح لأن الله لم يخذله ولم يكشف امره انه بلا عمل .

اجتمعوا في شكل دائري ، قال كبير العائلة أنهم الان بصدد توزيع الإرث ، ولكن كل شيء مقسماً حسب شرع الله . اومأ الجميع بالقبول ومن هنا وزع الارث على الجميع ، وقف مرعي في صمت معتاد ولكنه  تفوه اخيراً بصوت مقتضب : وانا !!

نظر الجميع لبعضهم البعض في  استغراب ، الوجوه تكلمت في تلك الدقيقة بكثير من الكلام هو قرأ أعينهم ، كبير العائلة وقف في المنتصف : انت نصيبك اخدته خلاص لما قعدت في البيت من غير لا ايجار ولا حساب ولا اي حاجة ، وبعدين احنا قولنا الورث للورثه  مين قال انك من الورثة يا مرعى !! انت يا يدوب ابن ابن اختنا ، وبعدين انت اللي فضلت قاعد في البيت ولا اتجوزت ولا عملتلك بيت . علشان منبقاش ظالمينك اخنا ممكن نلم من بعض نديلك قرشين علشان تعرف تلاقي مطرح ايجار حولينا وبكدة يبقي عدانا العيب .

لم يكمل الكبير تلك الجملة حتى كان انسحب مرعي من المحادثة وجمع كل ملابسه في حقيبة وصورته مع أمه وأبيه الراحلين وترك لهم البيت  باجتماعهم إرثهم متخذاً من الصمت ملاذه دائم والاخير.

 



Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )