La Nouvelle القصة ( Mars )


 




قصة قصيرة

  


و لكن ماذا بعد ؟

 


 قىبقلم : مارينا ألفونس شو

 



أنا يوسف...

وقعت في حبها ...

أجمل ما رأت عيناي...قوتها أكثر ما لفتني

أراها تنزل من بيتها الساعة التاسعة مساءا كعادتها...تفتح باب العمارة التي تقع على ناصية شارع يطل على النيل.

تضع سماعاتها وتختار اغنيتها المفضلة لتكتم صوت العالم عنها.

تسرح خصل شعرها الحرير بيديها الناعمتين واظافرها المطلية بلونها المفضل...الاسود.

تحرك رأسها يمينا وشمالا لترى اتجاه السيارات لتذهب ناحية النيل وتبدأ رحلتها المعتادة في مشى خمس كلوات يوميا وانا امشي ورائها.

احفظ حركاتها...أقع في حب تفاصيلها ...أقلد مشيتها ...

اعشقها كل يوم أكثر وأكثر

تتحرك اليوم بسرعة غير عادتها...هذا ليس رتمها

فجأة اجدها تقف في مكانها تنحني بظهرها إلى الامام لتمسك ركبتيها وتنهج وكإنها كانت تجرى ماراثون.

قلقت وتوترت. هل اذهب لأساعدها؟ لا لا يا يوسف، لا تجب ان تعرف إنك تراقبها...و لكن ماذا افعل!!

اراها تبكي

اراها تنهار

اراها متألمة

اشعر بكل شيء تشعر به

وكأن روحها قد سكنتني

كل ألم تشعر به، اشعر به انا أيضا بقلبي

ماذا افعل؟

تستمر في البكاء بصوت عالي حتى تجمع بعض الأشخاص حولها

ولكنها لم تبال بهم ووقفت صلبت طولها

بعدت الجميع عنها

مسحت دموعها بكل ما اوتيت به من قوة

تنهدت تنهيدة طويلة

وكإنها استنشقت كل الهواء الذي بالعالم

رفعت رأسها الى فوق

وربطت شعرها الحرير في ذيل حصان وأخذت تجرى

تجرى بسرعة قد تسبق بها الفهد

بدأت تدخل في شوارع مظلمة لا أحد يمشى بها في هذه الساعة

ماذا تفعلي يا تالا!!

لماذا تجري بهذه الشوارع في هذا الوقت!!

وكإنك لا تخافي شيء في هذه الحياة!

أخيرا، وقفت.

ولكن فجأة،

وجدتها تلتف وتنظر في عيني

وكإنها كانت تعرف طوال هذا الوقت إني اتبعها

نصبت عيناها نحو عيناي مباشرة

عيناها عسليتان واسعتان

بشرتها خمرية كالقمح

وخدودها زهريتان

جمالها يجعلنني أضعف امامه

جمالها يجعلنني اشعر إني احتضن العالم بأكمله

جمالها يجعلني اشعر بالدفء والسكينة

ما هذا الجمال يا الله!

ثم اراها تتحرك نحوي بخطوات ثابتة، لا رهبة بها...

ثم تقف أمامي لتقول لي:

"ماذا تريد منى يا يوسف؟"

"ماذا؟؟ من اين عرفتي اسمي يا تالا؟"

 قلت في سرى وابتلعت ريقي من توتري...

ثم بدأت تعلو بصوتها ...

"اسألك للمرة الأخيرة يا يوسف، ماذا تريد منى؟! الم اقل لك مئات المرات اتركني ارحل!"

"أنت تعرفينني يا تالا؟"

تنهدت تالا وقالت "يوسف، هل تأخذ علاجك؟"

 لم افهم ما تقوله تالا وبدأت اسمع أصوات كثيرة ومزعجة حولي، وكأن كل سكان الحي بدأوا أن يتكلموا في آن واحد..

الأصوات تعلو أكثر وأكثر

وأنا لا أستطيع التحمل

إزعاج

إزعاج

اضع يداي على أذناي لأكتم هذه الأصوات، ولكن بلا جدوى...

بصوت أعلى تسأل تالا

"هل أخذت ادويتك يا يوسف؟

الأصوات تعلو أكثر وأكثر لأصرخ بصوت عالي وفجأة..

أقوم لأجد نفسي بغرفة واسعة جدا ... اجلس على اريكة سوداء اللون

وتقف إمامي امرأة في الاربعينات من عمرها.

شعرها اسود طويل وناعم

وجهها مريح للنظر اليه

بيضاء ذات عينان بنيتان

تجلس بجانبي دكتورة رنا بكل حنيه وتقول لي في صوت ناعم ورقيق...

"لماذا يا يوسف لا تأخذ علاجك؟ الم نتفق في الجلسة السابقة إنك لن تفوت علاجك؟"

لأفوق انا على حقيقة كل ثانية وكل دقيقة وكل ساعة بحياتي...

موت تالا...

توفيت تالا...صديقة عمري وحبيبتي ...

توفيت في حادث سيارة في تلك الشوارع التي تجرى بها في خيالي

لأصبح انا مريض بعد ذلك بها...

وأحلم إنها مازالت على قيد الحياة واتخيلها وهي تمشى وانا اتبعها. مثل ما كنت افعل دائما وهي هنا بجسدها، ولكن كنت معها

فقط الادوية هي التي تجعلني أعيش في الواقع وليست خيالاتي...

وهذا هو سبب عدم أخذي لها

انا اريد ان أعيش معها...حتى إذا كان هذا في خيالي...

 لماذا آخذ ادوية تسلب منى رؤية حبيبتي؟

لماذا آخذ ادوية تبعدني عمن سكنتني روحها؟

لماذا!! لماذا يا دكتورة!! أعطني إجابة!

وسط ثورتي وعصبيتي وانفعالي وبكائي، ترد رنا:

لتستمر الحياة يا يوسف...

حبك لتالا سيظل في قلبك وحزنك عليها سيجرحك كل مرة تتذكرها

ولكن هذه الجروح تتحول إلى قوة في كل مرة

انت مازلت على قيد الحياة يا يوسف

نعم، تالا لم تعد هنا بجسدها، ولكن روحها لن ترحل من داخلك

ذكراها دائما سيجلب لك مزيج من المشاعر الحزينة والسعيدة، المؤلمة والمسكنة.

ولكن هذا هو الموت... يسرق منا أناس كانوا كل حياتنا ويغرمنا ان نعيش ونستمر بحياتنا وكإن شيء لم يكن.

ويجب ان نستمر يا يوسف... إذا وقفنا سنموت نحن أيضا. ولكن ليس الموت الجسدي كما تظن...

بل الموت النفسي والعقلي

لن تعد تشعر بأي شيء حولك...

ستتحول لشبح. جسد بلا روح

وعلى ما اعتقد...هذا أسوأ أنواع الموت... وهو ان تموت وانت على قيد الحياة.

لذلك يا يوسف، أكمل علاجك

لتعيش... لتستمر الحياة ...لتتوهج روحك مرة أخرى

لتصبح ذكرى تالا ذكرى جميلة وسعيدة بقلبك.. حول وجعك وجروحك إلى قوة...

وتذكر دائما يا يوسف...ان الحياة ستستمر دائما بك او بدونك، فهي قطر بلا محطات.

 

 

 

 

 

 





Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )