Article المقال ( Mars )







d  رحيل مناضلة ومفكرة وأديبة c


 


بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزى – قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب

جامعة الإسكندرية



 

وصلنا الخبر الحزين بوفاة الدكتورة نوال السعداوي صبيحة يوم الاحتفال بعيد الأم.

كانت نوال السعداوي – رحمها الله – أماً لآلاف الفتيات والسيدات في كافة أنحاء العالم العربي، بل والعالم أجمع، الذي اعترف بأصالتها وابداعها الفني والأدبي لعقود، فاستضافتها أعظم المحافل الجامعية شرقاً وغرباً، وتُرْجِمت أغلب أعمالها الفكرية، وابداعاتها الأدبية كروائية وكاتبة مسرحية، وهبت عمراً للدفاع عن قضايا المرأة.

ولعلها أعظم من تبنت تلك القضية الخلافية عالمياً، منذ اقتحام الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، وامتداداً لحركة فكرية نهضوية، تحدت الهيمنة الذكورية في العالم العربي عامة، ومصر خاصة، استهلها قاسم أمين في دفاعه الأول، متحدياً فكراً سلفياً متخلفاً بكتابيه "تحرير المرأة" (1899)، و"المرأة الجديدة" (1900).

كما تعتبر نوال السعداوي الامتداد الطبيعي والوريث الشرعي، لرائدات من أمثال هدى شعراوي، وباحثة البادية، ونبوية موسى، التي كانت ناظرة أول مدرسة ثانوية تتلمذت بها نوال السعداوي.

امتازت الفقيدة بشجاعة أدبية نادرة، جرّت عليها المزيد من المشاكل خلال رحلتها المستحيلة، تعرضت الكاتبة الكبيرة خلال عمر من الدعوى إلى الكثير من محاولات التهميش، وحملات من التشهير الفكري والنقدي، وصلت إلى حد التكفير، وتسببت شجاعتها تلك في سجنها أكثر من مرة، ونفيها خارج الوطن، بل وتهديدها بالقتل.

قبلت نوال السعداوي كل هذه التحديات بوجه باسم واثق، وحازت على شعبية طاغية في الأوساط الشبابية، وجلسات نقاشية لم تتوقف عنها يوماً. وتصدرت عناوين كتبها – رغم كل محاولات الحظر – أرقام توزيع أهم الأعمال الأدبية العربية.

 

 

تنتمي نوال السعداوي إلى قرية كفر طلحة بالقليوبية، لعائلة قروية تقليدية متوسطة الحال، عُرِف والدها بالوطنية، وآمن بتعليم البنات أسوة بالأولاد. وكتبت نوال السعداوي، بصراحة لم تعرفها العربية، عن عملية اختتانها ولم تكن قد تجاوزت السادسة، فكان لها دوراً حاسماً وريادياً في تجريم ما يطلق عليه العالم الغربي المتحضر "تشويه الأعضاء التناسلية للإناث".

تخرجت السعداوي في كلية الطب جامعة القاهرة عام 1955، فعملت بالجراحة والأمراض الصدرية، قبل أن تتخصص طبيبةً نفسية. وسجلت نوال السعداوي في سيرتها الذاتية، عملها وكافة دراساتها لعلاقة المرأة بالجنس وبالمرض النفسي، أمثلةً حية من ممارساتها اليومية كطبيبة، والأثر السلبي الذي يؤدي إليه قمع المرأة من الزوج أو الأسرة على حد سواء. كما هاجمت السعداوي الطقوس المصاحبة لحفلات الزفاف الريفية عند التأكد من عذرية العروس، في عرض بربري لدمائها التي ترمز لشرف ذكوري تتباهى به العائلات.

وتولت نوال السعداوي منصب أمين مساعد بنقابة الأطباء، وكانت أول رئيس تحرير مجلة "الصحة"، وأسست عام 1981 مجلة "المواجهة"، وذلك بعد أن عينتها الأمم المتحدة مستشارةً لبرنامجيها "المرأة في الشرق الأوسط"، و"المرأة في أفريقيا". ورأى الرئيس محمد أنور السادات في كتاباتها انتقادات له شخصياً، فسجنت بسجن القناطر للنساء، حيث أفادت ككاتبة وروائية بتلك التجربة في كتابها "مذكرات في سجن النساء"، وعدة روايات لعل أهمها "امرأة عند النقطة صفر". وواجهت نوال السعداوي عدة قضايا، تراوحت بين قضية حسبة للتفريق بينها وبين زوجها إلى تهمة ازدراء الأديان.

تلقت نوال السعداوي عدة عروض من أهم جامعات العالم مثل هارفرد وكولومبيا بالولايات المتحدة، وجامعة السوربون بفرنسا، وتم استضافتها في العشرات من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. أما أعمالها الأدبية فقد امتدت لخمسة عقود، عبر 40 كتاب، تُرجِم أغلبها إلى أكثر من 20 لغة.

حصلت نوال السعداوي على جوائز عالمية تقديراً وامتناناً لمجهود عمر بأكمله افنته في الدفاع عن قضية المرأة، إلا أن أعظم إنجازاتها يتمثل في حب وتقدير الآلاف من بنات وطنها.

d البقاء لله c

 

بيروت، 21 مارس 2021  


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )