Article المقال Cinema السينما ( Mars )
قهر المرأة في مطبخ السيدة أمريكا
بقلم : جيلان صلاح سلمان
في
البداية كانت حواء
القصة
دائمًا هكذا، مديرة ومرؤوسة، يبدأ العمل بتناغم تام واتحاد ضد الإدارة العليا،
محاولة للتصدي لقوى التقليل وتحجيم الأدوار، التكاتف ضد الثقافة الذكورية التي
وجدت فقط للسخرية من دور المرأة ومحاولتها التظاهر بإتقان العمل. حتى تأتي الخطوة
التي لا تخيب. يهمس أحد مديري الإدارة العليا في أذن المديرة بأن الموظفة الصغيرة
تحاول أن تحتل مكانها، أو تطيح بها، أو أنها أجمل...أصغر...أكثر أناقة؛ وهنا تبدأ
الحرب العلانية، والتي غالبًا ما تنتهي بخسارة إحداهما منصبها، وتعود الكرّة من
جديد، يضطجع المدير الذكوري في مكانه مستمتعًا بإنجازاته، مطمئنًا أن النساء لن
تتكاتفن ضده.
السيدة
أمريكا وصراع السمك الصغير إلى حوض القروش
هذه
هي قصة فيليس شلافلي، وموجة تحرير المرأة في السبعينيات التعديل الدستوري
المقترح لتحقيق المساواة القانونية بين الجنسين ERA الذي
كان من المفترض أن يمنح النساء حقوقًا هائلة بناءً على تجريم التمييز المبني على
النوع لولا تدخل...النساء لإيقاف تنفيذه بقيادة فيليس شلافلي الأمريكية الجمهورية
المتعصبة والتي تصدت للقانون الذي رأته مخربًا لبنية الأسرة الأمريكية، ورأت في
هاته النساء كل ما افتقدته واضطرت للتضحية به -المكانة المهنية المرموقة من أجل
الزواج، الدراسات العليا من أجل إنجاب الأبناء، الاحتشام للظفر بزوج محترم،
والحياة الصغيرة المكررة لضمان الاستقرار المادي والمكانة الاجتماعية.
على
هذه القصة، تم بناء مسلسل Mrs. America، ممثلًا العداء بين فيليس شلافلي وجماعتها من ربات البيوت وجلوريا
ستاينم وجماعتها من النسويات الأفروأمريكيات، والسحاقيات، والمتمردات على الحياة
الزوجية، كعداء صريح بين التيار المحافظ الآمن والذي يحقق للمرأة التقليدية
إشباعها الإنساني من خلال الزواج وإنجاب الأطفال وإن كان على حساب طموحها المهني
وتحقيق ذاتها، وما يمثله وجود نموذج آخر لامرأة ناجحة لكنها لا تعيش نفس الحياة
بالضرورة.
كانت
فيليس نموذج للمرأة الباسلة قوية الشخصية، التي كان من الممكن أن ترأس حكومات ولا
تتفرغ فقط لإدارة المنزل، لكنها كفتاة طيعة قررت الزواج برجل يكبرها في العمر،
وتأجيل حصولها على درجة دكتوراه مهنية في القانون بعد سنوات من تفرغها لتربية
أبنائها الستة وتمتعها بمزايا ربة المنزل، والتي ساعدتها في تكوين الجبهة المضادة
للنسويات تحت شعار أوقفوا تطبيق ERA وتمكنت بتعطيل مسار التصديق على التعديل
لتحقيق المساواة بين الجنسين في العدد المحدد من الولايات الأمريكية (38 ولاية).
لكن
مسلسل
Mrs. America ليس
فقط عن قصة التعديل الدستوري والشخصية النسوية البارزة في الموجة النسوية الثانية،
بل هو عن العلاقات النسائية السُمية والتنافسية بين النساء والتي تحركها
البطريركية في الخلفية بتلاعب وبراعة من أجاد التحكم وتقلد المناصب الهامة التي
تغير مسار أمم لعقود.
في Mrs. America، تبدو البطولة للوهلة الأولى بين خصمتين شبه متكافئتين، جلوريا
ستاينم هي الوجه المثالي للمرأة الأمريكية العصرية، ويعود لها الفضل في أن تصبح
الحركة النسوية أكثر تقبلًا من الفتيات والنساء بعد أن تصدرتها قبلها لفترات
النسويات الراديكاليات واللاتي كن يعادين كل ما هو أنثوي في المظهر أو الجوهر مثل
بيتي فريدان وبيلا أزبوج، والخصم الثاني هي فيليس شلافلي، المرأة العاملة الكاذبة
التي تتسلح بكونها أم لستة أبناء وربة منزل، بينما طموحها المهني والسياسي الملتوي
هو ما جعلها تناطح الرجال وتنضم لهم، لكن بطريقة خبيثة دون إثارة حفيظتهم أو ضيقهم.
لكن
المعركة الحقيقية كانت بين فيليس وشخصية وهمية اخترعتها المؤلفة الرئيسية ضمن طاقم
كتاب السيناريو بالمسلسل، دافي والر، وهي آليس ماكراي، ربة منزل وأم وصديقة حميمة
لفيليس. هما الاثنتان من نفس الطبقة الاجتماعية، وينتميان لنفس العرق ونفس
الكنيسة، ولكن العلاقة بينهما تتحول من صداقة لمعاداة صريحة، نابعة مما يُطلق عليه
السُمية النسائية feminine toxicity.
السُمية
النسائية هي تلك العلاقات السلبية التي تحدث بسبب قمع النساء وظلمهن بعدم منحهن
حقوقهن الكاملة –خاصةً في مجال العمل- مما يدفعهن كما الأسماك الصغيرة التي تتكاثر
باضطراد في حوض صغير للقتال حول الفتات الذي
يلقيه إليهن الرجال من مناصبهم الرفيعة بالأعلى. وإذا نجحت امرأة في الوصول للقمة،
فإنها تشعر على الفور من خلال مخالطتها لزملائها الرجال في القمة بالتهديد من أي
امرأة تحاول أن تصعد لتجاورها، فهو قانون غير معلن بأن المكان إذا اتسع لامرأة لن
يتسع لاثنتين، لذا بدلًا من مد يد المساعدة للتي تتسلق لتصعد على سطح حوض السمك
فإنها تدفعها لتسقط مع الباقيات.
وهنا
تظهر آليس ماكراي كتابعة مخلصة لفيليس، ترى فيها نموذجًا بارعًا للأمومة وإدارة
المنزل بالإضافة إلى الذكاء والتفوق الأكاديمي، أحاطت فيليس نفسها بالنساء اللاتي
كانت تراهن أقل علمًا منها لئلا تشعر بالمنافسة التي شاهدتها رأي العين في مشهد من
الحلقة الأولى عندما تفاجأ فيليس بفتاة صغيرة تظنها آنسة كونها تعمل في نفس مجال
الرجال، تشعر فيليس بالفارق العمري يتضخم ليبتلعها، فهاهي فتاة صغيرة في عمر
بناتها تظنها مثلها لم تتزوج كونها تسافر وتحضر المؤتمرات والجلسات السرية
المغلقة، تستغلق ملامح فيليس، لكنها سرعان ما تستعيد تماسكها وتبدأ خطتها لمهاجمة
التعديل الدستوري الذي سيجعل النساء والرجال متساوين، وهنا يبدأ الرجال في ناديهم
العملي السري بتحريكها وفقًا لهوى البطريركية والتي مهما أرادت
تمكين المرأة فهي تريده مقننًا، محدودًا، وفق إطار يؤسسونه هم، وبالتالي يمنحون
امرأة معينة امتيازات حصرية، تجعلها تشعر بتفوقها النوعي على قريناتها، مع ضمان
أنها لن تفكر في تخطيهم وإلا أطاحوا بها للقاع مع مثيلاتها. وبطريقة ملتوية، يحرك
الرجال فيليس لتجنيد ربات المنزل في أشرس حرب ضد تمكينهن من المناصب القيادية
ومساواتهن للرجل؛ أي في حرب على جنسهن ذاته!
https://www.youtube.com/watch?v=NCuoHyw_Dlo
وهذا
ما اكتشفته آليس صديقة فيليس تدريجيًا في لحظات تكشف وصلت للحظة تنوير عظمى بعد
حضورها المؤتمر القومي للمرأة في تكساس حيث قابلت نوعية أخرى من النساء، فوجدت في
نفسها تعاطفًا مع هاته النسوة المتحررات اللاتي تدعمن الإجهاض وتنادين بالحرية
الجنسية والحياتية، رأت كيف تدعم جلوريا ستاينم النساء في دائرتها، بعكس فيليس
التي لا يهمها سوى طموحها المهني، وفي سبيله تتجاهل آراء صديقتها آليس التي تسعى
لنبذ خطاب الكراهية، وتتجاهل العنف البدني الذي تتعرض له باميلا إحدى تابعات
المنظمة المخلصات.
https://www.youtube.com/watch?v=6DiEHAzoenc
السُمية
في مكان العمل بين النساء
كم
مرة شعرت امرأة بالاضطهاد بسبب هيراركية المنظومة التي تعمل بها، ولجأت لمديرة
امرأة لكنها لم تجد آذانًا صاغية؟ طبقًا لمقال لهيلاري راولند بعنوان "لماذا تكره النساء النساء؟"
فإن النساء في المناصب الإدارية غالبًا ما تتبنين وجهة نظر الرجال وتسئن معاملة
مرؤوساتهن حتى تستطيع الإندماج مع الرجال زملائها في المناصب العليا وتقضي على أي
منافسة لها من النساء تحلم بنفس المنصب.
تأخذ
السُمية في مجال العمل صورًا كثيرة، لكن أحد الأنماط التي لا تخيب هي في إظهار روح
التنافسية غير المهنية بين النساء وبعضهن البعض. في المنظومة البطريركية، يستطيع
الرجال تحريك النساء بعوامل مثل المظهر الخارجي، التدين، الحالة الاجتماعية ومدى
توافق امرأة مع المنظومة المجتمعية التي تحتم عليها ممارسة الدور الأمومي والزوجي.
في
إحدى الشركات المرموقة، شكت فتاة حادثة تحرش لمديرتها، والتي أخبرتها أن عليها
التكتم في الأمر وإلا أُخذ الأمر ضدها لأنها غير محجبة وبالتالي سيقع عليها اللوم
أنها هي السبب في إثارة الرجل الذي تحرش بها لفظيًا، وبعد فترة حكت هذه الفتاة
لإحدى زميلاتها اللاتي كان مديرهن رجل، والتي بدورها أخبرتها بأن فتاة أخرى تعرضت
لنفس هذا الموقف لكن مديرهن لقن المتحرش درسًا وتسبب في محاسبته. لم تتخيل الفتاة
المعنية أن مديرتها –وهي امرأة- ستتخلى عنها بينما زميلات لهن مدير رجل سيتمتعن
بحماية وحقوق أفضل.
لا
يمكن حصر النماذج التي تتعرض فيها امرأة لامرأة أخرى بالإهانة أو التنمر فقط لتنال
الرضا المجتمعي أو لأن المفاهيم الذكورية تم ترسيبها في لاوعيها دون أن تشعر
باضطهاد أي امرأة لا تشبهها أو تشبه دائرة الأمان التي تحيط بها نفسها، وهو ما قد
يفسر هجوم النساء على فنانات لمجرد أنهن يرتدين ملابس على غير أهوائهن أو يرفعن
فيديوهات على مواقع التواصل وهن يرقصن أو يستمتعن بحيواتهن.
المرأة vs المرأة: الجولة الأولى...قتال
في
الحلقة الأخيرة من Mrs. America تحصد فيليس ثمار دفاعها عن تحجيم دور
المرأة عندما يحجم الرئيس ريجان دورها،
تتجلى براعة المسلسل في إظهار التأثير المروع النابع من الإنصياع للبطريركية
والإطاحة بالمنافسات النسويات من البيت الأبيض عندما تتلقى فيليس مكالمة شكر من
الرئيس ولا شيء أكثر من ذلك، وينتهي بها الحال تقشر البطاطس في مطبخ منزلها لتحضير
العشاء كما كان حالها قبل حملة أوقفوا التعديل الدستوري للمساواة بين المرأة
والرجل، في إحالة مخيفة لفيلم المخرجة
البلجيكية شانتال آكرمان (جين ديلمان، 23 شارع التجارة، 1080 بروكسل) عن ربة
المنزل التي تنهمك في تفاصيل روتينية يومية للحياة المنزلية بينما تمارس الدعارة
السرية لتدعم هذه الحياة المنهكة. فترى هل رأى صناع المسلسل فيما فعلته فيليس من
تشويه لسمعة النساء اللاتي اختلفن عنها مجرد اختلاف هي دعارة باعت فيها روحها لذوي
النفوذ حتى تستطيع الإنفاق على استقرار حياتها المنزلية البليدة؟
تبقى أسئلة كثيرة معلقة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire