Article المقال ( Janvier )
أكذوبة "ختان
الفراعنة"
بقلم : د. زينب نور
فنانة تشكيلية وأستاذ بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان القاهرة.
http://www.facebook.com/zeinabnour.art/
انه
من البشاعة ثم الجهل أن يكون فى هذا العالم..عدد الإناث اللاتى تعرضن لمأساة
الختان في العام 2016 حوالي 200 مليون أنثى..حسب تقدير مُنظمة
اليونيسف(ويكيبيديا)، هؤلاء الاناث يعشن في أكثر من 27 دولة في أفريقيا وبأعداد
أقل في آسيا وبقية مناطق الشرق الأوسط، إلى جانب بضعة مُجتمعاتٍ أُخرى حول العالم،
ثم يأتى أحدهم ليقول: "ما الداعي لمساندة المرأة فهى لا تحتاج لأى دعم، وما
أهمية ما يُطلق عليه (نسوية) فى زمن حصلت فيه النساء على كافة حقوقهن
وأكثر؟"...!!!
نِسب ختان الإناث في أفريقيا، وكُردستان العراق، واليمن،
كما أظهرتها الدراسات في سنة 2015.ويكيبيديا
ان
الانسان السوىّ..فقط السويّ، عندما يقرأ بعض ما كتب او يشاهِد فى فيلم وثائقى
حقيقة الختان السوداء، لاقشعر بدنه وشعر فى لحظة انه يكره الدنيا بما فيها والارض
ومن عليها، كيف لبشرٍ وخاصة لنساء ان يُـقدِمن على قطع وتشويه اجزاء من جسد فتاة
ضعيفة لا حول لها ولا قوة ..وليس لها ذنب فى هذه الدنيا سوى أنها وُلِـدَت فى
وَسَط مريض نفسياً ومُعتل عقليا ومتأخر حضارياً!
وإن
كنت يا قارئ السطور من ضعاف القلب، لا تقرأ الثلاث سطور التالية فهى صادمة، يمكنك
ان تتخطاها كى تدخل فى جوهر الخلفيات الثقافية والعقائدية والاجتماعية
للموضوع..أقصد للكارثة!
ففى
أكثر هذه المجتمعات تخلفا (فى شمال شرق افريقيا لاسيما الصومال) تُـقطَع أغلب
الأجزاء الخارجية من عضو الفتاة التناسلي ثم يُختم فرجها – أى يُـغلق - ، بحيثُ لا
تـُترك إلَّا فتحة صغيرة لِلسماح بِمُرور البول ودماء الحيض؛ وعند الزواج لاحقًا
يعاد فتح المهبل (فى كثير من الأحيان يكون ذلك بالسكين) للسماح بالجماع والإنجاب.
سوف
لن نتحدث عن الظروف التى غالبا ما تتم فيها هذه الطقوس الشيطانية بإسم الحفاظ على
العفة، فالجميع يعلم ان اغلب الحالات تتم فى ظروف غير صحية وملوَثة و بأدوات
بدائية وبأساليب وحشية وكثيرا ما تتعرض الفتيات للأمراض أو للنزف حتى الموت، وفى
رأيى أن هذه الآلام وتلك التداعيات بما فيها الموت نفسه هى فى مجملها أهون من
الآثار النفسية المدمرة على هؤلاء الفتيات طوال حياتهن، والمضحك المبكى أن أول من
يعانى مع هذه الفتيات فى حياتهن المستقبلية هو الرجل الذى يريد ضمان عفتها قبل
زواجها!
تصميم
فاطمة محمود – طالبة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك.
ضمن
مشروع تصميم جدارية لا لختان الاناث بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة تحت اشراف
د.زينب نور
إن
هذا العضو الذى لطالما سمعت كل فتاة – لاسيما شرقية – ما يحثها ومنذ نعومة أظافرها
على تغطيته وعلى ان تحافظ على شرفها وشرف اهلها بالحفاظ عليه..واذا ما
خالفت..عرّضت نفسها لكافة انواع العقاب بدءا بالهجوم اللفظى ومرورا بالتأنيب
الاجتماعى والتعنيف الجسدى وصولا الى القتل..هو نفس العضو الذى يتم تعريته عُنـوةَ
من قِبـَـل وحوش فى شكل بشر ليُـقطّع منه جزء او كل بإسم الحفاظ على العفة..وهو،
هو نفس العضو الذى من المفترض ان تستخدمه تلك الفتاة فى بناء أسرة سعيدة وإسعاد
رجل واحد وإنجاب أبناء وبنات راشدين وبصحة سليمة..
كيف
لإنسانة سوية أن يجتمع فيها هذا الإرهاب المفروض وذلك العطاء الواجب؟ انها الحماقة
بأعينها التى لا ترى، فلا تجد الفتاة نفسها إلا وقد كرهت نفسها ومجتمعها وزوجها
والواجبات المفروضة على فرجها الذى اغتيل فى صغره وانتهكت خصوصيته من اقرب قريباتها
ثم أتى لاحقا رجل أحمق ليعيش من خلاله دنيا جديدة!
مصر
التى فى خاطرى
أقولها
وكُلى ألم: "مصر هي أكثر الدول من حيث عدد الفتيات اللاتي أجريت عليهنَّ
العملية حول العالم"، حقيقة مُدوَنة بالعديد من المراجع العلمية حول العالم،
وانه من الصحيح أن نسبة الختان فى مصر قد تراجعت من 97 % سنة 1985 إلى 70 % سنة
2015 (ويكيبيديا)، وذلك نتيجة للعديد من الجهود التى بذلتها الدولة وخاصةً تلك
التى بُذلت فى عهد سوزان مبارك (حقيقة لايمكن انكارها) وكذلك جهود العديد من
المنظمات مثل المجلس القومى للمرأة ومنظمات حقوق الانسان والجمعيات الأهلية
والمبادرات النسوية الفردية مثل الكاتبة والأديبة نوال السعداوى، ولكن وللأسف..
ولأن تعداد سكان مصر كبير، فإنه رغم هذه الجهود، لازالت الأعداد كبيرة ومفجعة حتى
يومنا هذا، أو بمعنى أصح لم تكن هذه الجهود كافية لنشر التوعية اللازمة من أجل
القضاء على هذه الظاهرة البشعة.
ومن
المعروف أيضا أن كثيرا من عمليات الختان فى مصر تكون على أيدي أطباء وخاصة منذ
العقود القليلة السابقة ، ورغم ان هذا الامر يبدو أفضل من الحالات التى تتم على
أيدى متوحشات النجوع والأرياف، الا ان ظاهر الامر يخفىِ وفى رأيى ..حقيقة ان
إمكانية الختان على أيدى أطباء قد أدت الى زيادة أعداد المختونات، ظنا من أمهاتهن
وجدّاتهن- اللاتي غالبا ما يكونن هن اللاتى يشرعن فى هذه الجريمة – أن الختان على
يد طبيب أفضل وأنظف وأكثر أمانا وكذلك أقل حدة، حيث عادةً مالا يقوم الطبيب بقطع
أجزاء كبيرة من بظر هذه الفتيات.
إن
قانون تجريم ختان الإناث فى مصر وقد أصبح أكثر تغليظا للعقوبة من ذى قبل، إلا أنه
لايزال يقف عاجزا أمام جهل العائلات لاسيما نساءها، وما زاد الطين بلة أن نص
القانون به ما يمكن أن يخلق ثغرة تتيح استغلال الأطباء الممارسين للختان، عندما
جاء فى نص القانون أن تجريم ختان الإناث يختص ببتر كل أو جزء لأى عضو تناسلى ما لم
يتوفر مبرر طبى لذلك، فكلمتىْ "مبرر طبى" قد فتحتا الباب أمام الكثير
ممن ليس لديهم ضمير مهنى ويضعون اتجاهاتهم فيما يخص ختان الإناث قبل تطبيق
القانون، حيث أقنعوا الأهالى أن هناك مبرر طبى فى حالة فتياتهم وهذا أمر قانونى
ولا يوجد فيه مشكلة[1]..،
وأضيف، أنه وقت تدخل حماة القانون ضد هؤلاء الأطباء يكون الوقت قد فات حيث لم يعد
هناك ما يثبت إن كان هناك داعى طبي لذلك، ناهيك عن أن هذا الداعى الطبى فى حد ذاته
نادر الوجود وقد دحضه العديد من الأطباء وقالوا عنه "هراء"!
📷مصر
القديمة بريئة من جريمة ختان الاناث
الملك من كاو رع وزوجته
تقف الى جانبه
عندما مررتُ بدارها
وكان الباب مواربًا
تناهى إلى مسمعى صوتها غاضبًا
فوددتُ لو كنت تابعها
حتى توبخنى
فأتظاهر بأننى طفلٌ يخشى سخطها. [2]
هي فتاة واحدة ، لا يوجد أحد مثلها.
هي أكثر جمالا من أي امرأة أخرى.
انظروا ، إنها مثل إلهة نجم نشأت في بداية
عام جديد سعيد[3]
**تلك سطور لا تمثل سوى نقطة فى بحر من كنوز المصريين القدماء الادبية والشعرية فى
الحب والهوى!
كيف
لعاقل أو باحث موضوعي أن يقول وبمنتهى الأريحية أن الموطن الأصلى لعادة ختان
الإناث السوداء..هو مصر القديمة؟ مصر القديمة التى قدست المرأة ورفعت من شأنها
وساوت فى حقوقها مع الرجل ومكنـّتها من أعلى المناصب وكرمتها وبَجـَـلتها، كيف لها
أن تقوم بمثل هذه الجريمة الشنعاء فى حقها؟
إن
الذين قالوا ذلك قد ارتكزوا على عدة "حقائق" أرادوا بها باطلا أو وقعوا
من خلالها فى فخ الخطأ الجسيم، تماما كالأخطاء الشائعة التى نتعامل معها فى حياتنا
اليومية على أنها أفضل من كل ما هو صائب ولكنه غير مألوف!
إنَّ
أُصول وجُذور خِتان الإناث غير معلومة، ولا يُعرف على وجه الدقَّة أيُّ الحضارات
البشريَّة التي اتبعتها أولًا على أنَّ نُقطة التقاء هذه المُمارسة في أفريقيا،
شمالًا-جنوبًا، وشرقًا-غربًا، هي في السودان. واقترح گاري مكِّي أن يكون خِتان
الإناث قد ظهر بدايةً في الحضارة المرويَّة
حوالي 800 ق.م - 350م جنبًا إلى جنب مع تعدُّد الزوجات، قبل قُرونٍ من بُزوغ فجر
الإسلام، ولعلَّ الهدف من وراء ذلك كان إثبات أُبوَّة الأطفال وضمان نسبتهم إلى
والدهم ووالدتهم، والحيلولة دون اختلاط الأنساب[4].
وهنا
وجب علينا البحث فى أمر مصطلح "ختان الفراعنة"، فهو مصطلح أطلق على
عملية ختان الإناث فى أبشع صورها وهى الطريقة التى سلف شرحها من قبل، قطع الأجزاء
الخارجية من العضو التناسلى للفتاة ثم غلق الفرج فيما عدا فتحة صغيرة لمرور البول
والمحيض. وسميت هذه العملية بهذا الاسم لأسباب غير مؤكدة، ولكن هذه التسمية فى حد
ذاتها أشاعت معلومة خاطئة وهي أن ختان الإناث قد انتشر فى مصر القديمة وبهذه
الطريقة البشعة،
وإلينا
مجموعة من الحقائق التي تناقض هذه الأكذوبة:
1
– من المعروف والمثبت أن ختان الإناث فى مصر من وقت ما بدأ وإلى يومنا هذا لا يتبع
هذه الطريقة البشعة وإنما فى أغلب الاحيان يتبع النمطين الأول وأحيانا الثانى
اللذيْن صنفتهما منظمة الصحة العالمية، وهما باختصار يقومان على قطع جزء مِن او كل
بظر الفتاة، دون قطع اى اجزاء اخرى ودون غلق الفرج.
نحت بارز مصرى قديم يوضح عملية ختان
الذكور
📷2 – ذُكر فى مصر القديمة بالكتابة والرسوم الجدارية فى أكثر من موقع
ما يدل على ختان الذكور وكان ذلك كما قال هيرودوت من أجل النظافة، أو كما قال
آخرون إنه بديل لطقس التضحية..حيث لم يكن فى مصر القديمة ما يعرف بالأضحية البشرية
وكانت عادة ختان الذكور بديلا لها أكثر تحضرا وأقل دموية وفى نفس الوقت للتأكيد
على مبدأ النظافة الشخصية وربما لذلك السبب سميت هذه العادة فيما بعد - وحتى يومنا
هذا - "الطهارة"، وهى نفس العادة المتبعة لدى اليهود والمسلمين، الا انه
لا يوجد أية اكتشافات حتى الآن من رسوم سواء فى المعابد أو المقابر المصرية
القديمة ما يعبر عن ختان الإناث.
3
– أما ختان الإناث الذى ذكر فى بعض البرديات او النصوص التى ألفها العلماء
الزائرين لمصر او المقيمين بها مثل الجُغرافي الإغريقي إسطرابون
64-23 ق.م، أو الفيلسوف فيلون
السَّكندري 20-50م، أو الطبيب الإغريقي جالينوس
129 - 200م، أو الطبيب الرومي آطيوس الآمدي (الذى عاش خِلال أواسط القرن الخامس
إلى أواسط القرن السادس الميلاديين)، فجميعهم كما يتضح من التواريخ المكتوبة أعلاه
أنهم عاشوا فى ما يمكن ان نطلق عليه "بقايا مصر القديمة"، فتاريخ مصر
القديمة يعود لآلاف السنين قبل الميلاد، وأكرر آلاف السنين، حيث لم يـُعثرعلى
شواهد تعود لهذا التاريخ لتقول بوجود عملية ختان الإناث فى مصر القديمة، وحتى ما
جاء فى أقوال الطبيب الرومي آطيوس الآمدي لوصف عملية ختان الاناث التى عاصرها هو
بمصر يؤكد أن طريقة الختان المتبعة آنذاك كانت تحُـث على عدم بتر الكثير من بظر
الفتاة حتى لا يُحدث ذلك مشاكل صحية[5]،
أى أنه..حتى عملية الختان التى كانت تتم للإناث فى هذه العصور المتأخرة من تاريخ
مصر القديمة لم تكن تمثل ما يطلق عليه مصطلح "الختان الفرعونى"..، إذا
من أين جاء هذا المصطلح؟
4 – يمكن التكهن بأن
هذا المصطلح وهذا الأسلوب المتوحش فى تشويه أعضاء الإناث قد نتج عن توهم البعض او
الكثير ممن اطلع على حالة المومياوات لنساء مصر القديمة بأنه هكذا كان الختان فى
مصر القديمة، فبالنظر المجرد تبدو المنطقة المهبليَّة لهذه المومياوات بحالةٍ
شبيهةٍ بِحالة المنطقة المهبليَّة لِلأُنثى التي خُتنت ختانًا من النمط الثالث،
وذلك لأنَّهُ خلال التحنيط، شُدَّ جلد الشفرين الكبيرين إلى الخلف ناحية فتحة
الشرج لِتغطية الشق الفرجي، ولعلَّ ذلك مردُّه الحيلولة دون تدنيس المومياء
جنسيًّا. أمَّا تحديد ما إذا كان النمطان الأوَّل والثاني قد طُبقا على إحد
المومياوات فمُستحيل، نظرًا لأنَّ الأنسجة اللينة الطريئة إمَّا أزالها المُحنطون
أو تحللت مع مُرور الزمن[6]..،
وهو الأمر الذى يبدو منطقيا، فالمواد الكيميائية والعضوية التى استخدمت فى التحنيط
من شأنها أن تؤدى الى تحلل هذه الاجزاء الرقيقة فى جسد الانسان.
**اذا يمكننا القول بأن ظاهرة ختان الإناث فى مصر قد بدأت فى العصور المتأخرة للحضارة المصرية القديمة، وهى العصور التى خضعت مصر خلالها للاحتلال من قبل العديد من القوى والثقافات المختلفة – لاسيما شمالا وجنوبا -، فهى بالمقارنة مع تاريخ وفكر مصر القديمة تعتبر عصور انحلال وتخلف ومن الطبيعى ان تختلط بها الثقافات والعادات، ما ارتقى منها وما تخلـّف وهو الأمر الذى يؤكده الطبيب المصرى الخبير والباحث محمد فياض[7] رحمة الله عليه، وزاد الأمر اختلاطا بين الحقيقة والخيال بسبب الحالة الفيزيقية التي وجدت عليها الاعضاء التناسلية لمومياوات النساء فى مصر القديمة، وأراد من أراد أن يجعل من هذه الحالة التى وُجدت عليها أجساد نساء ميتة، أراد ان يدفن بها نساء أحياء بمنتهى القسوة والوحشية التى يندى لها جبين الانسانية! كما وأنه من ناحية اخرى، وَجد أعداء الحضارة المصرية القديمة إشاعة لتشويه جماليات هذه الحضارة وهى بريئة من هذا الفعل المشين الذى لا يمكن ان يتماشى مع أكثر ما تميزت به هذه الحضارة ألا وهو التحضر والعلم والجمال.
تصميم
فاطمة محمود – طالبة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك.
ضمن
مشروع تصميم جدارية لا لختان الاناث بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة تحت اشراف
د.زينب نور
الخفاض
فى الإسلام ..مكرُمة للمرأة المصرية دون غيرها من النساء العربيات؟؟
إن
فنون الجرافيتى النسوية التى انتشرت فى أثناء حكم الإخوان بمصر بدءا من عام 2012م
لم تكن سوى صورة حقيقية للواقع الذى عاشته المرأة فى أثناء هذا الحكم وهو واقع
الخوف والتهميش والاستغلال، ولابد من أن قارئي هذه السطور قد عاصروا بأنفسهم ما
حاول الإخوان فعله فيما يخص شئون المرأة وعلى رأسها محاولاتهم لتقديم سن زواج
الفتيات وأيضا لإلغاء قانون تجريم ختان الإناث بمصر.
وبالرجوع
الى الوراء تاريخيا، نجد ان بين الوهابية السلفية (التى قامت وانطلقت أساسا من
السعودية) والاخوان المسلمين (التي قامت وانطلقت من مصر) العديد من الفروق
الايديولوجية بل والعداء التاريخى، الا انه يمكننا القول وبمنتهى البساطة التى لا
تحتاج الى أسانيد علمية..أن كلاهما يحمل أفكارا إسلامية متشددة خرجت منها أفكارا
أكثر تشددا لتصل لحد الإرهاب، ورغم هذا العداء إلا ان الاثنين قد تعاونا وتتضامنا
فى مواجهة الفكر الناصرى فى سبعينيات القرن العشرين وربما كانت هذه السنوات هى
سنوات الانطلاق لكليهما فى الوطن العربى لاسيما مصر، بل ان هناك من يؤكد أن الفكر
الوهابي وصل إلى مصر في بدايات القرن العشرين مثل أستاذ الفلسفة الإسلامية في
جامعة القاهرة الدكتور علي مبروك[8].
وعلى
كل حال، ما أريد الاشارة اليه هو مجموعة من التساؤلات التى لاتغيب عن ذهنى ولا اجد
لها إجابة شافية، وربما هى اسئلة لا تحتاج الى اجابات بقدر ما تدعونا الى التأمل
واستنباط الفخ الذى وقعت فيه النساء المصريات:
-
لا يوجد ختان الإناث فى المجتمع السعودى – إلا نادرا – بحيث لا يمكن إجراء مقارنة
موضوعية من حيث الأعداد، فكيف ولماذا لم يتعرف المصريون لاسيما الأمهات والجداّت
على هذه الحقيقة؟ لاسيما وان السعودية من المفترض أنها الدولة الأكثر تمثيلا
للإسلام من حيث النظام السياسي القائم بها!
-
هل وهابية المجتمع السعودى حفظت لنسائه حقهن فى التمتع بما خلقه الله لهن وحفظت
لرجاله حق الاستمتاع بزوجاتهم بينما صُدّرت الى مصر وحدها فكرة أن ختان الإناث
واجبا دينيا؟ تماما كما عملت الوهابية على الإيقاع بصناعة السينما والاغنية
والثقافة المصرية فى النصف الثانى من القرن العشرين وهى قوى مصر الناعمة الأقوى ؟
-
لماذا ساهم الإخوان المسلمون – على عكس الوهابيين فى السعودية - بقدر كبير ومخيف
فى تأصيل ثقافة ختان الاناث ووأد النفس الرقيقة التى خلقها الله فى احسن صورة بزعم
انه مطلب دينى أوشعائرى؟
-
هل رجال الإخوان المسلمين يحرصون على ختان بناتهن كما يحرصون على حث الاهالى بختان
بناتهن فى النجوع والارياف والأماكن الفقيرة فى مصر بغية مرضاة الله؟
- بينما
كانت جماعة الإخوان المسلمين تحث المرأة المصرية على عدم تحديد أو إعادة تشكيل
حواجب الأعين لأن من المحظور تغيير خليقة الله ، كانت نفس الجماعة تحثها على إعادة
تشكيل الأجزاء الحميمة فى اجساد فتياتهن. ألم يفكر أحد: ما هوالفرق؟ أليست إعادة
تشكيل هذا الجزء الحميم من جسم الفتاة أكثر حُرمة من إعادة تشكيل حاجب العين؟!
على الأقل، يكون الضرر في التدخل
البدني الأول أكبر بكثير من الضرر الثاني ، إذا كان هناك ضرر بالأساس في الحالة
الثانية .
-
سوف لن نقترب من مناقشة المذهب الشافعى فى الإسلام الذى رأى ان ختان الإناث واجباً
بينما رأته أغلب المذاهب السنية الأخرى مكرُمة، ولكننا نود ان نشير الى ان أكثر
الاراضى التى انتشر فيها المذهب الشافعى هى شبه الجزيرة العربية ومصر، وهذا يجعلنا
نعيد السؤال مرة اخري، لماذا ينتشر ختان الاناث فى مصر ولاينتشر فى السعودية؟ ما
هى الايدى الخفية التى عملت على تفعيله فى مصر وإبطائه فى السعودية على هذا النحو
الملحوظ؟ هل كان من المقصود ضرب المجتمع المصرى فى مَقتل؟ فختان الاناث كان معروفا
قبل ظهور الاسلام فى كلتا البقعتين الجغرافيتين، والمجتمع المصرى أكثر وسطية
وانفتاحا على الآخر عبر تاريخه الطويل، فلماذا ينتشر الختان بهذا الشكل الرهيب من
خلال ربطه بتعاليم الدين الاسلامى وهو مجتمع تعيش فيه بالأساس ديانتان مختلفتان
(المسيحية ثم تاريخيا الاسلام)؟
-
هل اقتراب مصر من قلب افريقيا ساعد أكثر على نشر هذه العادة السوداء؟ ولكن الجزيرة
العربية اكثر اقترابا من اليمن والصومال وهما رقعتان معروفتان بانتشار ختان الإناث
بشكل كبير!
-
لماذا لم يؤد الحديث المنسوب للرسول عليه الصلاة والسلام الى نشر عادة الختان فى
شبه الجزيرة العربية، والذى أكدت دار الافتاء المصرية مؤخرا بأنه حديث ضعيف
جدًّا: "عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً
كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ
وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ)، إن إعمال العقل هنا يستدعى القراءة الواعية للواقع
الذى كانت عليه شبه الجزيرة العربية من انتشار أفكار وعادات من الجاهلية تتسم
بالوحشية والفساد والبذاءة التى وصلت لوأد المواليد إذا كانوا من البنات، تلك
المفاسد لم يكن للدين الاسلامى ان يطالب او يُرسي بتعاليم ترفضها كلها جملة
وتفصيلا، فكان من الطبيعى أن يهتم الدين الجديد بالأهم ثم المهم حتى يجد من يتبعه،
فعادة ختان الإناث كما يتضح من الحديث – فى حال صحته - كانت موجودة بشبه الجزيرة
العربية، ولربما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته فى هذا التوقيت والمكان أن
يُظهر محاسن الاحتفاظ بهذه الأجزاء من جسد الانثى لخيرها وخير بعلها مستقبلا بدلا
من أن يُنهىِ تماما عن الختان.
والحقيقة
أن هذا الحديث – سواء كانت قصته حقيقية ام لا – لا يجب أن يغنينا وقبل كل شىء عن
التفكر حول الواقع المثبت وهو أننا كمسلمين لم نسمع مطلقا – لا من قريب ولا من
بعيد – عن اية احاديث ولو حتى ضعيفة تقول بأن الرسول (ص) - والذى رفض ان يتزوج
علىّ ابن ابى طالب على ابنته فاطمة - لم نسمع انه قد أجرى أو أمر بإجراء عملية
الختان لأى من زوجاته او بناته – لا خفاض ولا غير خفاض – أفلا تكفى هذه الحقيقة
الواضحة أن ننشرها فى أرضنا كي يكف المجرمون عن جريمتهم التى تبدو بالمنطق قبل
الأدلة أنها لا علاقة لها بالدين الاسلامى؟
-
لقد وصل حد انتشار ختان الإناث فى مصر الى تطبيقه على فتيات مسيحيات من قِـبـَـل
أمهاتهن وجدّاتهن بالرغم من تأكيد الكنيسة القبطية لرفضها هذه العادة القميئة
مرارا وتكرارا، كما انتشر إجراء العملية على أيدي أطباء مسيحيين يُكشف لديهم عن
عورات الفتيات المسلمات فى تعارض واضح وصريح لعادات وأفكار المسلمين فى مصر
المعاصرة!! علماً أنه سواء كان الختان فى مصر لفتيات مسلمات أو مسيحيات فإن الهدف
المعلن منه.. دائما هو الحفاظ على عفة الفتاة لاسيما قبل الزواج. والسؤال الذى
يطرح نفسه دائما: وماذا عن بَعد الزواج؟ وماذا عن العاملات فى الدعارة فى مصر –
سواء برغبتهن او بغير رغبتهن - واللاتى هن فى اغلبهن بطبيعة الحال مختونات، ألا
يشكل هذا نقضا واضحا لمبدأ ربط العفة بالختان ؟
- إن نسبة كبيرة من
الخراب الذى يحل بنفسية الفتاة المختونة ثم ببيت زوجيتها بالتأكيد قد ساهمت فى
وصول مصر الى ان تكون من اكثر دول العالم الذى ينتشر بها الطلاق بعد ان كانت مصر
هى رمز البيت والسكن والخصوبة والحب المُمـَـثـل فى روح حتحور وجسد إيزيس واحتواء
نوت! فما مدى مساهمة هذه العادة السوداء فى رفع هذه النسبة، والتى عادةً ما تؤدى
الى كراهية الزوجة المختونة للعلاقة الجنسية وخاصة الزوجات اللاتى تعرضن لقطع
أجزاء اكبر من أعضائهن التناسلية أو اللاتى تعرضن لعنف اكبر خلال عملية الختان
(بدون تخدير مثلا) فهؤلاء الزوجات من شأنهن اعتبار العلاقات الجنسية هماً على
قلبها لانهن لا تجدن فيه المتعة، وهو ما ينفر بدوره الزوج من هذه العلاقة ويجعله
يبحث عن بديل لها أو يبحث عن مُتـَنـَـفس آخر يتنفس به الغضب والصياح والنكد
باستمرار؟
وبعد
كل هذه التساؤلات، ألا يكون من الواضح وجود خلل فى المنظومة الثقافية التى تدمر
نفسها بنفسها ولكن قطعا ليس من تلقاء نفسها، لقد أصدرت دار الإفتاء المصرية أخيرا
عام 2013م فتوى إن ختان الإناث «حرام شرعًا»، وأنه يسبب ضرراً صحياً ويجب منعه
شرعاً لأنه لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام، وطالبت الجهات والأجهزة المسؤولة فى
الدولة ببذل مزيد من الجهود لمواجهة ووقف هذه الظاهرة التى وصفتها بأنها ليست قضية
دينية تعبدية فى أصلها، وقبل ذلك في عام 2007م قرر المجلس الأعلى للأبحاث
الإسلامية التابع للأزهر في القاهرة أن "تشويه الأعضاء التناسلية
الأنثوية" ليس له أي أساس في القانون الإسلامي الأساسي أو أي من أحكامه
الجزئية". ومنذ أغسطس 2016 تحولت قضية ختان الإناث قانوناً من جنحة إلى جناية
يعاقِب عليها القانون منفذيها والمحرضين عليها.
إن
جميع هذه الإجراءات وإن صّحت الا انها جاءت متأخرة جدا، ومهما جاءت العقوبات أغلظ
من ذلك ستستمر المأساة لا محالة، إلا إذا انتظمت وانتشرت حملات التوعية بين نساء
قبل رجال المصريين وفى الكتب الدراسية والأعمال الفنية بجميع صنوفها لاسيما
السينما والتلفزيون..وهما الأقرب الى المصريين من الشرائح المجتمعية العريضة.
لما
لا؟ ماذا ننتظر؟
لما
لا تكون الحملات بقوة حملات مكافحة مرض شلل الأطفال مثلا، الذى اختفى من مصر منذ
عدة سنوات؟؟
ما
المانع من تكثيف التوعية ونشر الثقافة الجنسية ولو حتى فى حدودها الدنيا؟ لما لا
تتضافر الجهود لوقف هذا النزيف الدموى والإنسانى والإجتماعى الذى نهش فى قلب
المجتمع المصرى طوال سنوات من الجهل والفقر والعوز؟
وأخيرا،
إن ما أطلق عليه مشاعا وجهلاً اسم "ختان الفراعنة" ليس الا تشويها
لتاريخ عظيم فى عمر الإنسانية.
ولكن
ختان إناث مصر ما هو إلا ختان للمجتمع المصرى كله، تُـقَـطّع فيه أوصال الحب
والصحة النفسية والاستقرار.
القاهرة
31/12/2018م.
حملة "انه يحدث هنا" التى اطلقت فى انجلترا
رفضا لختان الاناث التى تحدث فى اوروبا لفتيات من اصول
شرقية
[1] https://www.youm7.com/story/2017/11/26/هل-يصبح-قانون-تجريم-ختان-الإناث-المتهم-الأول-فى-إجراء/3526618
[2] محمود الاسوانى – المصريون القدماء وأشعار الحب http://ramadan.mobtada.com/details.php?ID=604232
[3] Ancient Egyptian Love Poetry,
found on http://themagentahornet.com/ancient-egyptian-love-poems.html
[4] Gerry
Mackie, "Female Genital Cutting: The Beginning of the End", in Bettina Shell-Duncan and Ylva Hernlund
(eds.), Female
"Circumcision" in Africa: Culture Controversy and Change, Boulder:
Lynne Rienner Publishers, 2000, pp. 253–282.
[5] Mary
Knight, "Curing Cut or Ritual Mutilation?: Some Remarks on the Practice of
Female and Male Circumcision in Graeco-Roman Egypt," Isis, 92(2), June 2001, pp. 317–338.
[6] Knight 2001,
p. 331, citing G. Elliot Smith, A Contribution to the Study of
Mummification in Egypt, Cairo: L'Institut Egyptien, 1906, p. 30, and Marc Armand
Ruffer, Studies
in the Paleopathology of Egypt, Chicago: University of Chicago Press, 1921,
p. 171
[7] http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=313304&r=0&fbclid=IwAR2TiqlPOhA-hGah1Uq3QnSaoItxlmK8Qn8ubHUlyi12KNASAS2ubsDBxAs
[8] زيزي شوشة - كيف اخترق المد الوهابى المجتمع المصرى https://raseef22.com/politics/2015/06/21/how-the-wahhabi-tide-broke-through-the-egyptian-culture/

Commentaires
Enregistrer un commentaire