Article المقال ( Janvier )
فن كتابة عرض نقدي للكتب
ترجمة : د. ليلى أحمد حلمي
يتكون
العرض النقدي السلبي لأي كتاب من ثلاثة فصول.
الفصل
الأول، يصل عرض الكتاب: لاذعاً، مرحاً،
وربما لئيماً بعض الشيء.
ثم يأتي رد الفعل عنيفاً على مواقع التواصل الاجتماعي:
متكبراً أحياناً، أو منطقياً وضرورياً في أحيان أخرى – وخاصة عندما يميل الناقد
إلى الشخصنة التي لا داعي لها.
أما الفصل الثالث، فهو الأكثر اثارة للاهتمام، وتبدأ
الهمسات القائلة، ربما كان الناقد على حق، فقد دار بخلدي ذات الأمر.
إذا كان الذوق ذاتياً، والأحكام قد تمثل استفزازاً (رد
فعل عنيف، ورد فعل عنيف هادئ لرد الفعل العنيف)، فإن النقاد منوطون بدور طريف في
الثقافة، فالناقد ليس عاجزاً تماماً، وليس ذا سلطة أيضاً، لكنه فضولي، وحاضر،
وأحياناً ذو تأثير.
تقول عالمة الاجتماع فيليبا ك. تشونج، وهي مؤلفة كتاب
"داخل دائرة النقاد: عرض الكتب في زمن اللايقين"، "إن عالم عرض الكتب
عالم صغير"، والمعنى هنا مزدوج، فعلى الناقد أن يكتب بشيء من الثقة والتظاهر،
ولكن يظل هناك أمر يمثل قلقاً: من يهتم؟
فيما يبدو أن العالم على شبكة الإنترنت يهتم، فيزيد عرض
الكتاب من النقرات. فعندما قامت كاميلا لونج بتحليل مذكرات رايتشل كوسك بعنوان "في
أعقاب" لجريدة الصانداي تايمز، بدأ الأمر أولاً بصدمة. فتصف لونج الكتاب في
أول جملة من عرضها بأنه "غريب الأطوار". ثم تقدم ملخصاً لتختتم أن
المذكرات "مكتظة بالاستعارات المجنونة المنمقة وتجارب للكتابة الإبداعية تتصف
بالمبالغة والاستعلاء". وحظيت لونج على مواقع التواصل الاجتماعي بالإشادة
لكونها "متوحشة بلذاذة" و"فظة تثير الضحك".
أما نقاد آخرون، ممن قدموا عروضاً نقدية، مثل ويليام
لوجان، فتلقوا قدراً أقل من الإشادة، فقد أطلقت جويس كارول أوتس على لوجان أنه
"يماثل شخصية روش ليمباو لنقاد الشعر". كما أن عرض لوجان القاس في
النيويورك تايمز لديوان لينارد كوهين الذي نشر بعد وفاته دفع بأحد كتاب الخطابات
إلى التساؤل قائلاً: "هل سرق لينارد كوهين صديقة ويليام لوجان؟"
لعل الغالبية من النقاد أقل حدة، لكن كتاب تشونج كشف أن
حتى أولئك النقاد ممن يؤثرون السلامة في عروضهم يظلون على خوف من القصاص، فاستكشاف
تشونج لنقاط ضعف الناقد تبدو لائقة تماماً اليوم، عندما يهتم نقاد الكتب بردود
الأفعال الحساسة – بل وأحياناً المفرطة في الحساسية – تجاه النقد الجمالي.
لقد تحدثت تشونج إلى 40 من كتاب العروض النقدية للأعمال
الروائية، وخلصت إلى أنهم ليسوا "صناع أذواق أو أصحاب نفوذ يصدرون
أحكاماً"، بل أنهم كتاب حقيقيون لهم نقاط ضعفهم، يعملون في إطار سوق متزعزع،
ويكتبون لجمهور متشكك.
وتركز تشونج على النقاد الصحافيين ممن "يكتبون عروض
الكتب بشكل تقليدي لمنشورات يومية أو أسبوعية"، مقارنة بمن يكتبون للمجلات
الأدبية أو للدوريات العلمية. ولكن حتى في حالة أن يكتب المرء لجريدة محلية بدلاً
من لجريدة "باريس ريفيو"، فإن عمل الناقد في رأي تشونج ليس بالهين
اليسير. فتتعمق تشونج في فكرة عالم الاجتماع بيير بورديو القائلة بأن "النقاد
باعتبارهم من المكرسين الثقافيين، هم من يرسمون خريطة الكتب التي تستحق أن تُعرف،
وتلك التي يمكن تجاهلها".
وترى تشونج أن هذا التشبيه الديني مناسب للغاية، باعتبار
أن الحكم النقدي "يبدو عملية غامضة إلى حد كبير، وتتضمن توليد منظومة عقائدية
ثم الحفاظ عليها، مقارنة بمجرد اجراء قياس موضوعي يمثل الأساس للاختلافات
النوعية".
ومثل هذه العملية الغامضة تمثل تحدياً، فقد تحدث كاتب
المقال إلى فينسون كانينجهام، وهو محرر staff
writer
في مجلة The New Yorker، وقال
الأخير: "بالطبع، أشعر أنني مكشوف عندما أكتب النقد، لكن ليس مكشوفاً بقدر
أكبر عن أي شخص آخر يمشي الهوينة أو يحيا". وكانينجهام ناقد مسرحي بالمجلة،
وقد كتب عن تقريباً كافة أشكال التغير التي طرأت على الثقافة للمجلة، ويقول أن
"أحد أبعاد كون المرء ناقداً هو أن تقول أشياء عجيبة – ولا اعتقد أننا أبداً
تمتعنا بأي شعبية".
ويضيف قائلاً: "إن الكتابة دون مخاطرة لا حياة
فيها. وكل ما أنشده أن أكون منصفاً".
وقد ظهر هذا الإحساس أيضاً في حوارات مع نقاد آخرين،
فيقول أنتوني دوميستيكو، الذي يستعرض الكتب لجريدة The
San Francisco Chronicle، وجريدة The Boston Globe، وجريدة Commonwealth، وغيرها، أنه يشعر "بمسئولية
تجاه النص الذي أتفاعل معه – وهي مسئولية أن أقرأ النص بفطنة وتعاطف قدر الإمكان،
وهذا أمر صعب بمكان دون أن اضطر إلى التوجس من ردود أفعال الآخرين على
كتاباتي".
ويقول دوميستيكو أن في الواقع "سيظل عارضو الكتب،
كما كانوا دائماً، موضع انتقاد، وهذا للصالح العام". ويقر دوميستيكو أن مواقع
التواصل الاجتماعي "قد عززت من صوت هذا النقد، فهو أحياناً ذو أهمية بالغة،
ومعقد، ويمثل المناقشات التي ينبغي أن تقع بين الكتّاب والقراء".
ونجد هذا الاهتمام في نتائج تشونج، فتلاحظ أن كتّاب
النقد قد "عبروا عن وعي حاد بالمغزى التقييمي لعروضهم النقدية، والتي لا تحمل
فقط تبعات للكتب التي يقومون بعرضها، وإنما لأنفسهم أيضاً باعتبارهم كتاباً فاعلين".
إن التصور القائم – بل والواقع – أن صفحات الكتب في
تضاءل، مثلها مثل تقلص الموارد المالية لدفع رواتب من تبقى من كتّاب، أي أن عدم
اليقين حول كتابة عروض الكتب ليس مجرد أزمة نظرية. فإن استمرت، واندثر النقد
المتفاعل، فما الذي سيبقى؟
إن التعبير عن الغضب أو التهكم تجاه كِتاب ما ليس بديلاً
عن اعتبارات دقيقة لمميزاته. كما أن ثقافتنا تعاني عندما يندثر الحس النقدي لدينا.
أي أن النقاد صمام أمان في وجه الفن الرديء، فيعبرون لفظاً عن غرائزنا، ويساعدون
الناس على إدراك نجاح الفن – وفشله.
وفي وصف تشونج، فإن هذا الاهتمام يبرز بشكل خاص في عالم
عرض الكتابات الروائية، حيث يحدث ما يطلق عليه "بناء هيكل لتبديل
الأدوار" switch-role reward structure، فتقول
"يطلب المحررون من المؤلفين في صفحات عرض الكتب ونقدها أن "يبدلوا"
مؤقتاً أدوارهم من "منتجين للكتب" لأداء دور "ناقد للكتب"،
ومن ثم أن يعودوا إلى أدوارهم الأصلية". فكثيراً ما يرى المحررون أن
الروائيين يأتون "بفهم حميم للعملية الإبداعية في الكتابة، وحساسية جمالية
لحرفة الرواية، تقتصر على من قاموا بإبداع روائي بأنفسهم".
ويرى كونينجهام أن هذا الإحساس بالأمانة النقدية التي
يلطفها التعاطف، إنما يتسق مع فكرة كورنيل ويست عن إضفاء "الطاقة
السقراطية" إلى تعاملنا مع الناس: "محبين ومنتقدين في آن". ويقول
كونينجهام أنه يتيح لهذه الفكرة أن ترشده في استجابته للفن، ومن ثم فإنه يحاول
"ألا يفكر كثيراً فيما قد يرتد إليه".
وأعتقد أن وجهة نظر كونينجهام تتسق مع ما قد يكون عرق من
الإحسان الذي يمكن تتبعه في إطار النقد: فعلى النقاد التركيز بشكل أكبر على الوصف
والفهم وليس مجرد على الحكم – أي أن يقلل النقاد من رفع الإبهام أو إنزاله، وبدلاً
من ذلك محاولة الوقوف على العمل بشروطه، ومحاولة فهم عناصره وأهدافه: أي التواصل
مع العمل بدلاً من مجابهته.
المصدر:
https://www.americamagazine.org/arts-culture/2020/11/19/art-book-reviewing
Commentaires
Enregistrer un commentaire