La Nouvelle القصة القصيرة ( Novembre )
... صالة القمار
بقلم : بيتر يوسف
ليست
المرة الأولى التي تطأ فيها رجلاه هذا المكان ، حياته كانت هنا كلما أراد أن يهرب من
شيء يأتي وكلما أراد أن يعبر من شيء يأتي ، لا يمكن أن يكون هذا المكان الملجأ أبدا
لم يستطع أن يردد في نفسه مثل هذا التعريف بل هو يعرف أنه يهرب ويريد أن يستمر في الهروب
كلما اعتراه الأمل.
الصخب
يصاحب المكان ، الزائرين كثر للغاية ، الوجوه تبدوا مألوفة ، اعتاد ان لا ينظر في وجهه
لأكثر من ثَوَانٍ معدودة ، يبدوا عليه الحيرة والغربة ولكنه لا يجهل الدوافع ويسأل
في داخله دوماً .... لماذا أتيت إلى هنا؟!
في
الدخل يوجد مسرح كبير يصعد عليه المقامر الذي يحاول الوصول إلى منصة اللعب ، المنصة
يصعد عليها الجميع لا توجد شروط للصعود ولكن لابد من الرهان على المقامر من مجلس المصوتين
ليتابع رحلته نحو مائدة المقامرة ، ومن هم المصوتين إلا جميع الحضور الموجودين في صالة
البوكر العظيمة.
لا
فعل بدون سابق أنذر ولا نجاح في عمل ما دون جودك في هذه الصالة ، هكذا قال البعض، والبعض
حاول نفي عن نفسه أنه يحاول الوصول إلى المائدة ، البعض الأكثر يستمتع يصفق لهذا ويواسي
مرثاة آخر ، يتمنى لنفسه المكسب الضخم، يتخسر على الخسارة الفجة. هنا الكل له شركة
في اللعب والملعب هو الفيصل الوحيد ،قد لا تكسب ولكن يكفيك شرف المحاولة لمزيد من المحاولات
القادمة.
عن
كثب تابعت أجواء الصالة يومياً كنت احد زوارها الدائمين، صرت معروفاً بوجهي الخجول الذي لم يمضي
على رؤيته إلا لثواني معدودة ، كنت أصفق وارثي وأتحسر وانتشي ، كل شعور يشعره المقامر
كنت أعرفه بل وأكثر ، في مفكرتي دونت ملاحظات تحت عنوان:-
كيف تكسب المرة في المرة الأولى؟ ، وأخرى كيف تكسب
على الدوام ؟ ، متى يكون الانسحاب مكسباً ؟ووضعت ما بين قَوْسِي( الهزيمة المؤقتة ).
توالى
على الصالة ما هم أقدم مني سناً وأصغر، كان لبعضهم الزيارة الأولى ولبعضهم كان هنا سابقاً وقطع عهداً ألا يعود
ثم عاد بعد زمن ، كنت أعرفهم ليس بسبب معرفتي بكل الوجوه ههنا بل لنظرات أعينهم الحائرة
التي تسأل بالبحث عن شيء مشترك ، هذا أول فعل كنت أقدمه لهم ابتسامة ترحاب ، ولتكن
المرة الأولى والأخيرة التي أتحدث فيها إليهم ، لا أحب أحدا أن يمر بما مررت به من
تيهه وشعور بالوحدة الخانقة وسط الآلاف من الوجوه، كنت أشرح لهم المكان والقواعد التي
تديره وسبل التقدم والطرق الاكثر نفعاً اذا وددت المقامرة ونصيحة في نهاية الحديث والرحلة
، لا احد لا يقامر هنا .
الصالة
تكدس بالأفراد على آخرها لم يدهشني أن أرى أفراداً من عائلتي ولا أصدقائي وحتى شخصيات
شهيرة وأخرى قالت لي يوماً إنها لا تقامر ، المقامرة هنا حق مشروع لأي فرد لا سلطات
تقيدها ولا وصايا تحرمها أنت فقط كما تحب .
السؤال
الذي ظل يسألوه لي
:لماذا
لم تقامر بعد ؟
كانت
الإجابات للبعض
:
اخشي الخسارة
والبعض
الآخر
:
لم امتلك الخبرة الكافية للفوز
كانت
الاعتراضات تنهال على من الجميع ويتذمرون ويتمتمون فيما بينهم
:كيف
له أن يرشدنا إذن !!
بعضهم
تحول وباتت يشجعني ،ويحثني على خوض المعترك ويذكروني بالمفكرة التي دونت فيها ملاحظاتي
العديدة والتي تعتبر طريقاً للنجاح. في الصالة كان كل دقيقة يصعد شخصاً ينال الإجازة
ليذهب إلى الطاولة ، في ذلك اليوم تحمست للغاية ، كنت أنظر في كل الوجوه بإشراقة لا
مثيل لها ، كأنني كسبت الجائزة الكبرى ، كنت أنظر للوجوه بتمعن لا لثوان بعد بل أقيم
علاقات واتصال مباشر كما علمت من قبلي قبل الصعود مباشراً للمنصة ليلاقي الحفاوة المطلوبة
ليعبر إلى المائدة .
جاء
الوقت وبهمه صعدت إلى المنصة وقلت في مكروفنها إنني نويت أن أقامر، وقفت دقيقة لم يصفق
لي أحدا، أعد كلامي مرة أخرى ، لم أسمع تصفيقاً ، لا من أشخاصا ساعدتهم في الوصول من
قبل ولا عائلتي ولا أصدقائي ، للحظة جزعت رأيت كل الوجوه أمامي كوجهي الخائب الممتلئ
بؤساً ، رايتهم وهم لا ينظرون في وجهي ، رايتهم وهم ينتظرونني أن أعود وأجر معي خيبتي
بأذيالها الكثيرة ، درجات السلم كانت أطول ممن صعدت عليها من قبل قليل ، انتصفت الصالة
نصفين وأنا أمر بها منكس الرأس ، نفسي يبطئ بقدر اقاع خطوتي ، يقف كلاماً كثراً في
حلقي ومابين لساني ،وعقلي لا يأمره بالكلام .
لماذا
... لماذا لم تراهنوا على ؟!
لماذا...
دفعوني نحو المغامرة ؟!
لماذا
أنا الوحيد الذي يسقط بدون الفرصة ؟!
هل
الجميع اتفق لكي يخذلني .... أم لم يوجد بعد شخصاً مستعد أن يقامر من أجلي ، أم أنني
رهان خاسر في كل الأحوال .وصلت إلى الباب والقاعة تضج بالتصفيق وتعداد للمقامرين واحداً
تلو الآخر ، أمسكت مفكرتي التي تعتبر خريطة مضمونة النجاح ودونت في آخرها .
الجميع
له الحق ، الجميع يجيد ، الجميع يربح ... عداك أنت .... تذكر ذلك في المرة القادمة.

Commentaires
Enregistrer un commentaire