Article المقال ( Novembre )

 





Ñ  اشكالية المرأة   Ò




بقلم : أ.د. عصام الدين عارف فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ

قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب - جامعة الإسكندرية








ترتبط التحولات الحضارية الكبرى عادةً بالثورات الكبرى، فالثورة بطبيعتها تهدم نظاماً لتقيم على أنقاضه نظاماً متكاملاً بديلاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولعل الثورة الفرنسية قد ساهمت، كنتاج لفكر عصر التنوير، في إعادة صياغة مفاهيم مثل العقد الاجتماعي الذي بشر به جان جاك روسو، ومونتسكيو، وجون لوك، عقداً أكثر براحاً، وأرست مفاهيم جديدة لحقوق الإنسان، والعدل، والمساواة.




اندلعت الشرارة الأولى لحركة تحرير المرأة، والمطالبة بحقوقها عن طريق الكاتبة الإنجليزية ماري ولستونكرافت، التي تأثرت بمبدأ حقوق الإنسان، الذي شهدته شخصياً في فرنسا، التي قامت بزيارتها، وتطبيق أهم معالمه على أوضاع المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في عالم ذكوري، دأب منذ بداية التاريخ على ألا يرى في المرأة سوى مخلوق أقل ذكاءً وكفاءة عن الرجل، بل وتعتمد عليه كليةً في كل ما يتعلق بها من أمور الحياة.

وليس من المفارقة أن أول ناشطة سياسية تنبري للدفاع عن حقوق المرأة في مصر والعالم العربي عموماً، ارتبطت هي الاخرى بقيام ثورة وطنية عارمة، تطالب باستقلال مصر عن الاستعمار الإنجليزي، وتحقيق الاستقلال كحق مشروع لأبناء الشعب.

ولعل حركات تحرير المرأة التي انتشرت في أغلب دول العالم، وتحديها لسلطة الرجل، وصراعها المرير لتحقيق المساواة مع الجنس الآخر، وما تعرضت له من اضطهاد وسخرية واستهزاء، على مدى عقود طويلة، ونجاحها في تحقيق بعض المكاسب الحقيقية، لأكبر دليل على شرعية تلك الحركة العالمية، والتي بدأت تجني آثار كفاحها المرير الذي ما زال حتى يومنا هذا في أطواره الأولى.





قادت هدى شعراوي أكبر وأعظم مظاهرة نسائية في العالم العربي ضد الاحتلال الإنجليزي البغيض، واعتراضاً على قرار سلطات الاحتلال بنفي سعد زغلول، الزعيم الروحي للثورة المصرية وقائد ثورتها الشعبية المجيدة عام 1919. وكانت هدى شعراوي في مقدمة المسيرة الشعبية الهائلة، بل وتحدت جنود الاحتلال وبنادقهم المشهرة بصدر مفتوح، واستكملت المناضلة العظيمة جهود الرائدات من أمثال باحثة البادية، ومي زيادة، ونبوية موسى، في افتتاح العشرات من المدارس والمعاهد لتعليم المرأة والفتيات.

كما شاركت بصفة شخصية ونظراً لإجادتها لعدة لغات أجنبية، مثل التركية، والفرنسية، إلى جانب الإنجليزية، في عدة مؤتمرات ومحافل دولية لنشر الوعي النسائي والمطالبة بكافة حقوق المرأة السياسية ودورها الحاسم في الدفاع عن قضايا العدل والسلام في العالم أجمع.





نجحت هدى شعراوي نجاحاً باهراً، في فتح الكثير من الأبواب المغلقة أمام الأجيال التي تلتها من المدافعات والمناضلات من أجل تحرير المرأة العربية والمصرية، من أمثال سيزا نبراوي، وسهير القلماوي، وأمينة السعيد، وإنجي أفلاطون، ولطيفة الزيات كاتبة "الباب المفتوح"، وأخيراً وليس بآخر، د. نوال السعداوي، التي صارت من أكبر رموز الحركة النسائية في مصر والعالم العربي، بل ووصل صوتها إلى جميع أنحاء العالم، حيث حاضرت بأعرق الجامعات في أمريكا وأوروبا، وترجمت أعمالها إلى 70 لغة مختلفة.





وعلى الرغم من تعرض الحركة النسائية في مصر، بل وفي العالم أجمع، لثورة مضادة ثقافية واجتماعية، بغرض استعادة الهيمنة الذكورية، وإعادة تكبيل المرأة باسم الدين تارة، والأعراف والتقاليد تارة أخرى، إلا أن مسيرة المرأة – وقد بدأت شرقاً وغرباً – وزيادة مكتسباتها، ما زالت منطلقة قدماً إلى أن تحقق الغرض المنشود، ألا وهو المساواة الكاملة في عالم أكثر انصافاً وعدالة، ما زلنا نستشرفه اليوم.

 


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )