Article المقال ( Octobre )
مذكرات
فتى التوصيل
بقلم : مريم بولس
مرحباً مذكراتي، إشتقت كثيراً للكتابة فيك، و لكني عدت
اليوم خصيصاً لأسجل أحداثه لأنني تعلمت درساً مهماً اليوم أريد تذكره لمدة بعد.
كنت في دوامي العادي، يأتيني أمر التوصيل فأركب على الدراجة و أدعو ألا تخذلني و
أذهب للعنوان. كنت قد أخذت ما يقرب من ١٠ طلبات اليوم و كان أحدهم رجلاً سخيفاً
جداً إتهمني أن الطعام إبتل في الطريق فعوضه المطعم بوجبة بديلة على حسابي أنا، أكملت ثمنها باقي اليوم و إنتهى اليوم كما بدأ. ثم
و أنا أستعد للذهاب للمنزل متعباً حزيناً، جائني أمر أخير و لم يكن هناك غيري في
المطعم آنذاك، فاضطررت للذهاب و أنا أتمنى أن يكون بقشيشه سخي لربما أعود بأي مال
إلى منزلي.
و أنا في الطريق أخذت أتململ من حالي و كيف أنني وحيد
و سأبقى وحيد، فأنا فتى فقير رغم كل محاولاتي في عملي صباحاً كنادل و ليلاً كفتى
توصيل. حسناً لم أحصل على التعليم الكافي لجعلي غني، و لكن حقاً ما ذنبي؟ أكنت
أمنع أبي أن يتوفى و أنا صغير ؟ أم لم أكن لأتحمل مسئولية أمي و أختي و أتركهما
للجوع لأذهب للجامعة ؟ و كيف كان لساره أن تستمر في حبها لي و إنتظارها
ل"أكون نفسي" في ظل العائد القليل الذي أحوشه من عملي الصغير، و في ظل
إبن عمها الطبيب المهم الذي يحبه والدها كثيراً ؟ حقاً لا ألومها ! و لكني أيضاً
أصعب على نفسي أحياناً ! فها قد تزوجت أختي و أمي توفاها الله و مازلت أنا فتى
التوصيل الفقير الوحيد البائس. لو كنت أملك مالاً لما كان هذا حالي و لكن ...
أستغفر الله العظيم اللهم لا إعتراض!
وصلت إلى العنوان في أحد الأحياء المشهورة عند علية
القوم، و رننت جرس الباب، فإذ بفتاة قليلة الحجم تفتح لي. "طلبك يا
أفندم..."، كانت الفتاة صغيرة كثيراً في ملابسها الثقيلة التي ترتديها في
الشهور الدفيئة، تبدو كأنها قد فقدت وزنها الذي كان يملأ ملابسها. كان تحت عينيها
أسود تماماً، و شعرها مبعثر و لكن جميل. حتى عندما طلبت منها سعر الطلب لم تكن
منتبهة تماماً،و لم تنظر كثيراً في الباقي الذي رددته لها.
طبعاً تنتظرين مني الآن يا مذكراتي أن أقول لكِ كم أني
تعلمت أن المال لا يصنع السعادة فها الفتاة الحزينة تملك مالاً و لكنها وحيدة و
لكن ليس هذا بالظبط ما دفعني للكتابة. ما حقاً أدركته و أخذت أتأمل فيه هو
الألم...الوحدة...الحزن و الإكتئاب... كلها مشاعر يعيشها الإنسان ظاناً أنها نهاية
عالمه و قصته، على الرغم من أن الحقيقة هي أن الكثيرين و الكثيرين يعانون من نفس
المشاعر و يتألمون لنفس الأسباب. جميع تلك المشاعر للأسف لا مفر منها في بعض
الأحيان، و لكن كم هو معزي أن تدرك أنك لست الوحيد الذي يشعر بها. فإن كنت وحيداً
فأنت وحيد مع آخرين، و إن كنت كئيباً فأنت كئيب مثل آخرين، و إن كنت تتألم و لا
تتحمل فيوجد أيضاً مثلك آخرين. لا تشعر أنها نهاية العالم فالجميع يعاني، و هي سنة
الحياة. لا يوجد حل سحري يجعلك لا تحزن، و لكنك تستطيع أن تستقبل الألم بأفضل صورة
ممكنة.
إلى اللقاء مذكراتي...
Commentaires
Enregistrer un commentaire