Article المقال ( Octobre )

 






Ñ  كاميلوت  Ñ

 

 

 

بقلم : أ.د. عصام الدين فتوح

أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ

قسم اللغة الإنجليزية وآدابها

كلية الآداب - جامعة الإسكندرية

 






   

تمت صياغة الأساطير المتعلقة بكاميلوت وقصها بشتى الأشكال والألوان على مدى عقود، بل والقرون إن شئنا الدقة، تمتد جذورها التاريخية إلى النوع الأدبي المسمى "رومانس"، بالإضافة إلى الفلكلور الشعبي الإنجليزي، الذي رأى في الملك الإنجليزي أرثر فارساً مقداماً، وبطلاً قومياً، دافع بقوة واستبسال عن حماية الأراضي الإنجليزية، وتصدى لهجمات الأنجلو ساكسون، بل وتحدى الوحوش الخرافية، رافعاً شعار "القوة المدافعة عن الحق"، بتأسيسه لأعظم قوة ضاربة، تحكمها الديمقراطية متمثلة في مائدته المستديرة، التي جمعت على قدم المساواة أعظم الفرسان من كل حدب وصوب.



 

ولعل أهم صياغة للقصة، وأكثرها شعبية خلال القرن العشرين، كانت للكاتب المسرحي الشهير آلن جاي ليرنر، من خلال مسرحيته الموسيقية "كاميلوت" (1960)، والتي سرعان ما التقطتها الشاشة الفضية، لإنتاج فيلم موسيقي شهير ظهر عام 1967، تناقله الجمهور إلى يومنا هذا.

قنعت جوينيفير بزواجها من الملك آرثر، ورأت فيه مثالاً للرجولة والشهامة، بالإضافة إلى دماثة الخلق والحنان المنقطع النظير. أما أرثر، فكان يعبد مليكته الجميلة، ويرى فيها أعظم مكافأة على نبل مقاصده، وحسن طويته.

أما السير لانسيلوت، الذي قدم من فرنسا للانضمام إلى زمرة فرسان المائدة المستديرة، فكان مثالاً لذلك الفارس الذي يجمع بين النقاء الروحي والقدرة القتالية الفذة. فكان من الطبيعي أن يرى كل من الملك المثالي والفارس المغوار صنواً له في الآخر، فصارا أعظم صديقين، ووثق كل منهما في الآخر ثقة مطلقة.

لمست جماعة فرسان المائدة المستديرة لوناً من الغرور في الوارد الجديد، إلا أن قدراته العسكرية فاقتهم جميعاً، مما زاد من حنقهم على المغرور الفرنسي. وتعاطفت جوينيفير مع فرسان المائدة المستديرة، ووعدت بمكافأة القادر على هزيمة ذلك المتهور المغرور، إلا أن السير لانسيلوت تخلص بسهولة من جميع منافسيه، بل وأصاب أحدهم اصابة بالغة كادت تزهق روحه. فطلب لانسيلوت من صديقه الملك بأن يتيح له استخدام قواه الروحية في مساندة غريمه الفارس المهزوم.




وتعجب الحضور من نجاح لانسيلوت في انقاذ حياة غريمه، إلا أن اعجاب الملكة بذلك الذي كان عدواً بالأمس تحول في لحظة إلى حب عارم لم تقدر على دفعه أو الافلات من حبائله. ولم تقل دهشة لانسيلوت، الصديق الصدوق لملك انجلترا، عن اعجابه، ومبادلته لجوينيفير حباً بحب.

وكما تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد رأى الملك الحالك كل مشاعره بالمثالية في حالة تخبط، فكان عليه أن يحاكم الملكة بتهمة الخيانة، وكان يتعذب لعلمه أن الذي خانه كان صديقه الصدوق، الذي وضع فيه ثقته المطلقة. وأدى هذا الصراع إلى نتيجة حتمية بقيام حرب بين الفريقين، تزعم الملك أحدها، بينما تزعم لانسيلوت الآخر. كما أدى الندم بجوينيفير إلى الالتحاق بدير للراهبات، ونبذ الحب عامة بكل تجلياته. وتنتهي المسرحية بمشهد رائع للملك الذي أوشك على وداع الحياة، منصّباً شاباً صغيراً لقب سير، آمراً إياه بالابتعاد عن ميدان القتال، واحياء ذكرى الحلم العظيم الذي جسدته كاميلوت.




ارتبطت اسطورة كاميلوت في الفكر والأدب الغربي عموماً، والإنجليزي خاصةً، بسعي الإنسان المستمر لخلق المدينة الفاضلة، وبحلمه بأن تخدم القوة المبادئ الإنسانية السامية، وتعد الأسطورة مثالاً لقدرة الشر على غواية الإنسان، وضعفه المأساوي تجاه الحب ومتطلبات الجسد، بل وقدرته الدائمة على الندم والحلم بتحقيق المثال المستحيل.

 

بيروت، 9/10/2020

 

 

 


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )