Article المقال ( Octobre )
السلبية داء هذا العصر
بقلم : د. ياسمين حجاج
مدرس بقسم اللغة الفرنسية وآدابها،
كلية الآداب، جامعة الإسكندرية.
تمر علينا جميعا
فترات لا نفعل فيها شيئا، قد نكون مرهقين أو قد يغرقنا الملل في مستنقع من الركود
ويصبح من الصعب العودة إلى النشاط والحركة. أحيانًا تكون هذه الفترات مفيدة أو
ضرورية مثل فترات الراحة لإعادة ترتيب الأفكار أو تجديد الطاقة. ولكن عندما تصبح
هذه الراحة أسلوب حياة وتسيطر السلبية على كل شيء يتحول هذا الركود إلى داءٍ
مستعصٍ يضر بالفرد والمجتمع.
يصيب هذا الداء الجميع، الشباب والكبار،
والمشكلة أنه يتمكن من الشخص في هدوء إلى درجة أنه يسكره ويتصور أحيانا الإنسان
فيه لذة ثم يباغته هذا الداء فيقتله. كيف؟ يؤسفني كثيرًا أن ألاحظ عديدًا من
الشباب وقد استسلم للسلبية في حين أن الشباب هو مرادف للأمل والعمل والنشاط
والحلم. وإذا بالشباب لا يفكر ولا يحلم ولا يبادر ولا يحاول ولا يتكلم وهو ما
يعادل الموت. تصبح الحياة بلا روح ويمتلئ المجتمع بالأحياء الأموات الذين يمشون
ويأكلون ويشربون وينامون فقط ولا ينتجون ولا يتقدمون وباختصار لا نفع منهم فهم
خاضعون وليسوا مغيّرون وتابعون وليسوا قادة.
قد تبدأ هذه
المشكلة من التربية الأساسية فعندما لا يتعود الطفل على تحمل أي مسؤولية ولا يقوم
باتخاذ أي قرارات تخصه يعتاد على الكسل والاتكال على من حوله. قد نقابل مرارًا
هذا الشخص الذي لا يفعل شيئًا ويقضي معظم يومه نائمًا ولا يخطط لشيء وينتظر دائما
ممن حوله أن يقوموا بالعمل بدلًا منه في حين يقضي هو حياته في الراحة ولا ينظر إلى
أبعد من طرف أنفه، عكس الشاب الذي يخطو بثقة وإقدام نحو هدفه ويحقق حلمه بيده
ولا يستسلم للسلبية.
وقد تكون هذه المشكلة أيضًا ناتجة عن
الإحباط عندما نشعر أن الأمل قد اختفى وأنه لا جدوى من أي شيء نفعله وهو ما يمر به
كثير من الشباب لكن الخطورة تكمن في أنه بانقطاع الأمل تنتهي الحياة. قد لا يكون
هناك من يفهمنا أو يشجعنا ويصبح العبء ثقيلًا ويستسلم الشخص للسلبية ثم للاكتئاب
وهنا، يجب أن يعلم أن أول من سينقذه هو نفسه. أولًا، يجب أن يعرف أن مثل هذه
الأزمات أمر طبيعي ومشروع وقد يمر به في فترات كثيرة من حياته لكن غير الطبيعي هو
أن يدع نفسه تغرق فيها لأن الحياة دائمًا بها حلول وعليه أن يجتهد ويصبر حتى يخرج
من هذا المستنقع وينتصرعلى السلبية ويعود إلى الحياة. قد لا يبدو ذلك سهلا ولكن
الحل هو في أن يبحث داخل نفسه عما يحركه فمن المؤكد أن لكل منا حلم أو شغف أو أي
شيء آخر يسعده ويسعى إليه وعليه أن يقوم ويتحرك ويتجه إلى مصدر سعادته
بنفسه.
وعلى نطاق أوسع،
فإن السلبية تضرب البلاد وتقتل فيها أى تقدم. فكيف يمكن تحقيق أي تغيير للأفضل أو
إنجاز أي مشروع هادف في ظل السلبية والركود؟ نرى في البلاد المتقدمة كيف يعتمد
الشاب على نفسه منذ الصغر ويخطط حياته بنفسه ويسعى إلى خدمة المجتمع عن طريق تحقيق
أهدافه الخاصة ويقدر قيمة الوقت وأهميته في حين لا يزال لدينا أناس تختار الراحة
والسلبية بمعنى أنها تريح نفسها ولا تهتم بأكثر من مأكلها ومشربها. وإذا كان كثير
من الناس مجبر على ذلك بسبب الفقر والجهل فهناك أيضًا كثير من الشباب اليوم متعلم وقادر
على التفكير الإيجابي. وبالفعل ظهرت عديد من المشروعات الشبابية التي تعكس الوعي
والرغبة في التغيير والإنتاج والنجاح لكن تظل السلبية هي داء هذا العصر الذي يخيم
على المستقبل.
Commentaires
Enregistrer un commentaire