La Nouvelle القصة القصيرة. ( Septembre )

 




قصة قصيرة    

     
5 بدون ذكر أسباب



  بقلم : بيتر يوسف  




أمام شباك التذاكر وقف لبضع دقائق ثم اتخذ قراره بالسفر دون ترتيب مسبق ، تحرك ليسأل عن تذكرة درجة ثانية لقطار متجه من القاهرة إلى الإسكندرية، فلم يجد إلا درجة أولى وبالسؤال عن المقعد وجده بجوار النافذة وهو ما استحسنه كثيراً، فهو تأقلم على تلك الفعلة كلما مر بأيام تعرف بأوقات الخريف يذهب مسرعاً إلى موطئ لم يعتاد زيارته ،لكن ما أكثر أيام خريفه واضجرها

 هكذا كان يكلم ويتحدث مع نفسه، تم حصاره بشتى أنواع الاكتئاب ولم يفك حصاره إلاه، كان يتشدد في أوقات عديدة وكان يخور في أوقات أخر، كان يحاول ويحاول وما نادراً ما يظفر، نادراً ما يستطيع الخروج عن المألوف.

في مكبر الصوت ينادي المذيع الداخلي "على الركاب قطار الإسكندرية سرعة التوجه إلى رصيف رقم خمسة" ، نظر إلى ساعته فهو موعد تحرك القطار ثم نظر إلى تهافت الركاب حول الأبواب للصعود، لم يتسرع ولن يسرع ذهب بخطوته الاعتيادية ينظر على الأبواب ليجد رقم باب العربة ويقف متأخراً بعيداً ليشعر الجميع بلذة الوصول حتى ولم يكن وصولاً لأي شيء هذا مجرد قطار  وهم بالفعل ينتظرونه!!
دخل العربة وأخذ يبحث عن مقعدة ، لم يتفاجي أنه مقعد فردي وهي مقاعد توجد عادة في بعض عربات الدرجة الأولى، لم يعير نفسه انتباه جلس وحاول الارتخاء مستمتعاً بالرحلة ، تحرك القطار وتحرك قلبه معه فهو يعشق الجلوس بجوار النوافذ ، اعتدل ووجه نظره إلى تلك الطاقة التي يدور من خلالها في فلك الحياة ، الحياة التي وجدته وحيداً ومستمر وحيد، لم يبالي بها بالقدر الذي ترأف عليه نفسه، هو يعلم أنها ربما تكون وحدته تلك هي قدره في الحياة رغم أنها تتجلي بالثنائيات؛ كل شيء يسير بالمثنى وبالجمع ولكنه يتوقف ذلك الاعتياد عنده وبدون أي سبب يذكر، رفع مقلتاه إلى الأعلى فينظر صفاء السماء التي لم تشوبها أي شائبة وهو يقول لنفسه "هل قلبي ممتلئ بالشوائب لذلك الحد الذي ينفر منه الجميع" في كل تلك الخواطر حاول الهروب من أن تدمع عيناه حاول التماسك بشدة ولكنها تقضي بقضائها وتفلت رغم عنه، لا يجد سبباً لتوضيح ذلك لنفسه ولكن يتقبله، لم يكن الامر يتعلق بالسفر  فحسب ،  بل ببعض المشاهد المتكررة ،حركة احدهم البطيئة تؤثر عليه وهو يحتاج الي المساعدة ، او ذلك الشاب الذي يدخل قاعة السنيما بلا ونيس ،او تلك العروس التي ترتاد الي كل المحلات لتجهز نفسها بلا صحبه مثل بقية الفتيات كل ذلك يتعتصر في قلبه ، كان يريد المساعدة للجميع، ولا يقدر على فعلتها ، يحاول أن يقدم قلبه  ليفعلوا به ما يشاءوا ولكن مشيئتهم دائماً في الرفض، حتى ذلك العجوز الذي يحتاج للأتكاء على ساعد احد رفض بشدة وانتهره مما جعله يبتسم وجعاً والماً، هو يدرك ما معني ان تكون شخصاً بلا عزوة وبلا اخرين، حتي انه مؤخراً صار لا ينظر في عيون الاشخاص لئلا يفجر باكياً من تلقاء نفسه كانه يريد أن يقول اريدك في حياتي لست عابراً بل بشكل دائم اياً من كان ذلك الشخص.

 في بعض الأوقات أيضا حينما يتكالب عليه الحزن يبكي، يبكي مثل طفل تاه عن أمه بصوت عَالٍ للغاية ، بكاء لعل قلبه يشفي أو يأنس بوحدته التي قبع فيها ولا مناص منها. كانت له جارة كل أسبوع تطمئن عليه ، أشارت عليه بالزواج لكنه ابتسم وقال ماذا علّي أن افعل ؟ فهو لا يعلم ، وحتى لا يكون زائفاً لم يمتلك أيا من الحسابات الإلكترونية التي تضع قائمة طويلة من الأصدقاء  ينظرون أرضاً كلما رأوه في مكان ما.

قبل موت أبيه كان يجلسان في الشرفة يحتسيان القهوة ، همهم بصوت خفيض "كان نفسي متخدش من اسمك حاجة يا وحيد، واكتر حاجة خايف عليها هو يوم ما أموت" وحيد الاسم والمسمى ،وحيد القول والفعل ،رثى وحدته ورثي اسمه ورثى أمه ورثى أبوه ورثى بكاءه المكتوم والمنقطع والعالي حتى رثى كل الأشخاص الذين يشعرون مثله وكان قدرهم الأحادية إلى حين.
اخرج المفكرة قبل أن يصل القطار إلى الإسكندرية وكتب بضع كلمات قرأها مؤخراً دون معرفة من مؤلفها :-
تُنسى،
كَأَنَّك لم تَكُنْ
تُنْسَى كمصرع طائرٍ
ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى،
كحبّ عابرٍ
وكوردةٍ في الليل ...... تُنْسَى
وصل إلى الإسكندرية وامام غروبها السحري الممتد للأبعد مدى قبالة بحرها حاول الخروج من وقته الخريفي متجاوز شتاء الدموع الذي ينهمر منه ليتجدد الربيع في قلبه ويعاود من جديد إنسانا يتقبل قدره حتى لو سمى وحيد .

 


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )