La Nouvelle القصة القصيرة ( Septembre )
القصة القصيرة
إعدام محمود
بقلم : ممدوح القرضاوى
جلست أمام عنبر (ب) في سجن الحضرة أنا والمقدم صلاح ضابط عظيم السجن اليوم
وفي وقت العصر والشمس تلقي بظلالها على باب وجدران المكتب الذي يجلس بجواره
في داعة واسترخاء نأمل أن تمر النبطشية في هدوء ووعدت نفسي بنوم عميق في هذه
الليلة رغم أنه لم يكن هناك وقت فلقد فاصبحت الامتحانات على الأبواب؛ إلا أنني
لاحظت في السجن بوادر شيء غير عادي رئيس المباحث، يتهامس مع معاونه وصلاح
وجه متجهم فسألته فقال: أنه هناك حالة إعدام في الغد والجميع يتكتمون الخبر لم أبالي
في أول الأمر وظننت أنني لا علاقة لي بالموضوع ففي الغد أمشي صباحًا فلماذا أفكر
في ما لا يعنيني ما يهم أن أركز على مذكراتي وامتحاناتي إلا أنه أخبرني أنني سعيد
الحظ وأنني مطالب بالاستيقاظ الساعة 2 صباحًا لأرافق من سوف تزهق روحه (محمود)
لم أعرف الاسم في ذلك الوقت أصبحت في حالة من الضيق لأني لا أحب السهر
وعرفت أن المأمور يحضر حكم الإعدام وبالتالي سوف يحضر في ذلك الوقت نمت في
الساعة العاشرة مساءًا وأيقظني صلاح حوالي الثانية فغسلت وجهي وارتديت ملابسي
على عجل وخرجت من الاستراحة ولفحتني نسمات الهواء البارد لشهر ديسمبر فبدءت
تزيل ما علق بعيني من وسن ودخلت قاعة الزيارة وشاهدته لأول مرة أنه طويل أسمر
ممتلئ الجسم يجلس بين اثنين مخبرين كان يتكلم معهم ويدخن لفاف تبغ وكان انطباعي
الأول أنه إنسان لا يبالي سوف يموت في مقتبل حياته بعيد عن الله وهو في أشد الحاجة
للقرب منه ولكن بعد فترة قصيرة طلب أن يتوضأ وطلب مصحف وبدأ في قراءة القرآن
وغرقت في أفكاري وطار ما تبقى من النوم من عيناي فأنا أحضر آخر ساعات من
حياة ذلك الرجل الذي لا أعرفه من قبل أجده شجاع ومتماسك وأثناء قراءته للقرآن أذن
الفجر وطلب أن يصلي فجلس مخبر بجواره والآخر أمامه واضعًا يده على الأرض
موضع سجوده حتى يسجد برأسه على يد مخبر حتى لا يفكر في إحداث إصابة بنفسه
لأن لو حدثت أصابه له لا يتم تنفيذ حكم الإعدام ويتم تأجيله وحين انتهى صلاته دخل
الشيخ موسى الذي كنت أرفعه من قبل حيث يحضر لوعظ المسجونين إلا أنه للمرة
الأولى الذي أجلس معه فيها، جلس بجوار محمود بعد ما سلم عليه وأخذ يحدثه عن
الخواتيم والثبات على الشهادة ويحذره من الشيطان الذي سوف يأتي له ويضله حتى لا
ينطق الشهادتين أثناء ذلك أخذت أفكر فيما حدث منذ سويعات قليلة لحظة تم إخراج
محمود من زنزانته حيث قام رئيس المباحث ومعاونه ومخبريه بفتح زنزانة محمود بعدما
دخلوا العنبر وصعدو السلم لدور المخصوص (الإعدام) في صمت وهدوء وحذر حتى لا
يحس بذلك مسجونين عنبر المخصوص الذين لا ينامون قبل طلوع الفجر لأنه مع كل
يوم جديد يكتب لهم عمر جديد حيث يتم إخراج المسجون المحكوم عليه بالإعدام قبل
الفجر فإذا أذن الفجر فلا موت بل حياة ليوم آخر وأخرجوا محمود من زنزانته محيطين
به حتى لا يحدث إصابة بنفسه وتم اقتياده لقاعة الزيارة وجلس معه صلاح حتى
استيقظت وجلست معه وبعد أن انتهى الشيخ موسى من عظته أخذ يردد محمود بعض
الكلمات الأذكار والأدعية في صمت وهدوء وأثناء ذلك داخل رجل غريب وخلفه اثنان
وكأنهم تابعين له ودخل خلفه المأمور وصلاح كانت له طله مهيبة وذو وجه قاسي
وعينان فيهما قوة وتشفي وإحساس بالنصر كان ضخم الجثة يميل إلى القصر سلم على
محمود وأخذ ينظر له ويتفحصه ويربت على كتفه كأنه جزار ينظر لخروف سوف يذبحه
للحظة لم أدري ما يحدث الكل يعرف من هو حتى محمود أنه عشماوي دخل ليتحفص
ضحيته عندما سألت صلاح علمت أن ذلك الرجل هو عشماوي وأنه يزن المسجون
بعينيه هل هو ثقيل فيتم إعدامه جاثًا على ركبتيه فلا يحدث خلع في الرقبة وبالتالي يتم
الإعدام بدون إصابات إلا أنني علمت فيها بعد أنه قرر أن يتم إعدامه واقفًا على الطبلية
وهي ذاتها الطبلية الذي أعدمت عليها راية وسكينة أما عن غرفة الإعدام كنت كل الذي
أعلمه عنها غرفة مغلقة بباب حديدي مكتوب عليها عنبر الإعدام أما في ذلك اليوم رأيت
الغرفة غرفة متوسطة الحجم غرفة الإعدام أرضيتها خشبية توجد بها طبلية في منتصف
الغرفة وهي طبلية في أرضية الغرفة تفتحان بشدة من الذراع الطويل المجاور لها وتوجد
قمرة بجوار الذراع أسفلها سلم تفضي إلى الجزء السفلي من الغرفة حيث الأرضية
الأصلية وأسفل الأرضية الخشبية بعمق حوالي ثلاث أمتار لتسمح بتدلي جسد من يتم
إعدامه بعدما خرج عشماوي ومساعديه لم يبقى غيري أنا ومحمود والمخبرين أخذت أفكر
لقد سلم الشانق على المشنوق وقد رأيت في عين محمود أنه يعرف أنه قاتله ترى علما
بذلك مسبقًا أم أنه مجرد إحساس شيء صعب تجربة مريرة جلس محمود يسبح ويذكر
الله أخذت أفكر وأخوض في أفكاري يا ترى محمود المصلي ذاكر الله الصائم والمتوفي
بعد أقل من ساعة ما مصيره الجنة أخذت أفكر في محمود السابق السارق القاتل لابنة
عمه من أجل حفنة نقود ترى ما جزاءه لو مات في تلك اللحظة ماذا سوف يكون مصيره
أنه ربما طاهر القلب أراد الله له الخير فجعله يقتل فيدخل السجن ثم يساق لحبل المشنقة
بعدما يكون صام وصلى وذكر الله وبشدة ذراع يموت فيكون من الصالحين يا للغرابة
القاتل قد يقبل عند الله ويحسب من الصالحين وربما شيخ المنبر الشيخ موسى ذاته
يقذف في النار أننا لا نرى إلا الظاهر أن محمود مجرم قاتل مسواه النار والشيخ موسى
صالح قائم مصلي عابد مسواه الجنة ولكن الله هو العالم بالقلوب فعلا أننا مجرد نملة
تسير على مربعات صغيرة كلما مشت على مربعات خضراء ظنت أنها في سعادة وإذا
مشينا على مربعات سوداء أنها لا محالة ضائعة إلا أننا لا نعرف حكمة الله هل للخير
نساق أم لا وهناك من يرى كل هذه المربعات ويعرف الخاتمة والنهاية، مرت نصف
ساعة وأنا غارق في أفكاري أرسل المأمور من يخبرني أنه سوف يتم تنفيذ الحكم بعد
قليل ونبه باليقظة حتى لا يُحدث محمود أصابه بنفسه وأخذت أفكر وأثناء ذلك جاء
صلاح بوجه عابس وأخبر المخبرين أن يصطحبوا محمود لحوش السجن فقاموا
باصطحابه وكلا يمسكه من ذراع في إحكام سار محمود في ثبات وثقة غريبة وأنا
وصلاح خلفه الكل كان ينتظره المأمور ووكيل النيابة والطبيب الشرعي وطبيب السجن
وعشماوي ومساعداه وقف محمود وظهره لغرفة الإعدام وبجواره مساعد عشماوي أخذ
يكتفوه بأشرطتهم الجلدية وأثناء ذلك أخذ يكرر الشهادتين وقف المأمور أمامه مرتديًا كابه
وأخذ ينطق صيغة الحكم في مواجهة محمود حتى أنهى قراءة الحكم وضع عشماوي كيس
من القماش الأسود على رأس محمود واستداروا به ودخل الغرفة الواطأ (غرفة الإعدام)
وتابعهم الجميع إلى داخل الغرفة لحضور تنفيذ الحكم ووقف على الطبلية ووضع
عشماوي الحبل الحريري نعم الحريري المستورد مخصوص من سويسرا وليس مجرد حبل
عادي مثل الموجود في الأفلام ووضعه حول رفبته وضيق العقدة وأثناء ذلك كان محمود
يردد الشهادتين سحب عشماوي الذراع ودوا الصوت للحظة أحسست أن الوقت توقف
تدلى الجسد وتأرجح الحبل والكل واقف هل لأنهم أزهقوا روح أم لأنهم رأو الموت وعرفو
أنها نهايتهم بطريقة أو بأخرى أم لأن صوت الطبلية مخيف رهيب مهاب أول من كسر
الصمت المأمور حيث طلب من طبيب السجن أن ينزل من الفتحة الأخرى الموجودة
بجوار الذراع ليفحص نبض محمود ويتأكد من وفاته بعدما صعد الطبيب وأكد موت
محمود قام عشماوي بشد الحبل مرتين ليتأكد من الوفاة وقام برفع الجثة وقام بوضعها
على نقالة مستشفى السجن بجوار الحائط المواجهة للباب الذي دخل منه على قدميه ثم
تم تغطيته بملاية بيضاء وخرج الجميع على وجوهم ابتسامه من انهى عمله في سعادة
ولا مبالاة هل نُسىِ الصوت هل نُسىِ الموت هل ممكن أن يكون المرء إنسان للحظة ثم
يعود كل شيء لأصله وكيل النيابة ينظر لساعته بقلق والطبيب الشرعي متجهم ربما لأنه
كان لصيق للموت أكثر من الآخرين عشماوي خرج وهو ومساعديه بعدما أنهيا عملهم
بسلام جمعوا أدواتهم وخرجوا في زهو وانتصار أخذ ضباط السجن يتساءلون أسئلة
صبيانية عن نوع الحبل وكيفية الشنق وأصعب المواقف التي مر بها وهو يجيب بفخر
وسعادة بتبلد نُسى محمود الكل فرح الضباط أنهوا مهمتهم المأمور يشعر بالرضا فالأمور
مرت بالنسبة له بسلام وكيل النيابة ينظر بقلق لساعته يرغب في مغادرة ذلك المكان
الكئيب، الطبيب الشرعي أنهى عمله، عشماوي ومساعديه يفكرون في المكافئة التي
سوف يقبضونها على كل رأس يزهقون روحها؛ أما أنا أتفكر وأفكر في محمود ومصيره
في من مر ببوابة الموت في ذلك الذي أراني شيء جديد بدون أن يمسك طبشور أو
يضع نظارة على أنفه أو يمسك بقلم علمني شيء مهم عن الخاتمة والموت وماذا وراء
بوابات الموت.
Commentaires
Enregistrer un commentaire