La Nouvelle القصة القصيرة. ( Septembre )
بقلم : بيتر يوسف
صنعت حاجز بينها وبين الجميع تأتي إلى العمل في صمت
وترحل في صمت، لا تتكلم إلا لرد على سؤال في العمل ولا تسأل إلا من أجل العمل، كل
من رأها أعطها عمراً أقل بكثير من الحقيقة، تنزل عليهم الصاعقة حين يعرفون حقيقة
عمرها فهي تتجاوز الخامسة والثلاثون، ملامحها الهادئة أعطها الكثير من الجمال دون
صخب أدوات ومستحضرات التجميل الزائفة، نادراً ما تضع أحمر الشفاه رغم نصيحة أمها لكي تضعه فهو يضفي لها عمراً يقارب الحقيقة لكن
لم تسمع لنداءات أمها فهي تعتقد إن عدم زواجها إلي الآن لأنها لا تلتفت إلى نفسها
و"عيله"، حتى في مكان عملها نعتوها بالمريبة والغامضة، لم تتأثر مطلقاً
بتلك الأحاديث هي تعرف ماذا تريد والي أين تمضي. فهي لا تعترض على فكرة الزواج
نفسها بل تريد زواجاً يقدس الحياة بالحب، تدرك قيمة الحياة فلا يجب أن تضيع هباء
في محاولات غير مجدية لتغيير في معتقدات يجب علينا أن نقرأ عليها كل أنواع الصلوات
والتلاوات لموتها ودفنها.
كانت فما مضى أكثر إشراقا وحباً للحياة، لماذا اذن
انطفأت الآن ؟ حدثتها صديقة قديمة قابلتها في إحدى مراكز الخدمات الاجتماعية
،حاولت أن تحتضنها ولكنها مدت يدها للسلام مع ابتسامة خفيفة ، كانت قريبة فيما وقت
مضى، ردت على سؤالها بابتسامة خاوية ولم تسترسل في الحديث، قالت مقتضبة الكلام
والمشاعر" حاضر هحاول مع أني تمام جداً أهو والحمد لله" . حاولت صديقتها
أن تجتنب ردها الجامد وسألتها مجدداً عن حالها ثانية، ابتسمت مرة أخرى واتسعت
عينها بشده "لسه بايرة" ، دمعت عين صديقتها ثم وضعت عيناها أرضا ومضت
دون كلمة واحدة .
التف حولها الأطفال مرحبين بقدومها من جديد، فهي دائمة
الزيارة لهم، تهتم بهم وتلهو معهم، يحبونها لأنهم يرون فيها حباً غير مكلف ،حب دون
شفقة ، حتى من ضمن طقوسها كلما زارتهم تجعل شعرها ضفائر،تلعب الكرة مع الأولاد، تجري
في سباقات العدو وتحافظ على العرائس مع البنات، هي تفعل كل ما يحلو للأطفال فعله ،
فهي تعرف نفسها جيداً أن ذلك ينسيها الألم ويعبر بها الأزمات. لكن تبقي الأزمة
التي لم تتجاوزها هي صديقتها هي بعينها التي قابلتها منذ قليل، كانت المقربة بل وكانت
الأفضل، تشاركها كل شيء، وهي تقول لها كل ما يدور في حياتها من مواقف، حتى آتي ذلك
العريس المنتظر قالت لها عنه وهي أبدت اعتراضها عليه حتى احتدم الأمروصرخت في
وجهها "أنت عايزاني ابقي بايرة زيك" جحظت عيناها واحمرت وجنيتها وقاربت
أن تذرف الدموع ولكنها تماسكت وقررت الابتعاد ،الابتعاد عن كل مسببات الألم، حتى
لو آتي من الوريد للقلب، لم تحاول أن تقدم مسببات للبعد عنها ولا تعاتبها فالعتاب
لا يصح في بعض الأوقات بل أنها على يقين أن العتاب يحفظ بعض من الحب لكنه لا يعود
مثلما كان سابقاً فلا جدوى إذن منه، حاولت تتجاوز هذه الصفعة حتى بعدما عرفت بفشل علاقتهما ولكنها لم تستطيع، فإنها كانت تتوقع تلك
الضربة من أمها على سبيل المزاح أو السخرية ولكنها لم تتوقع أبدا أن صديقتها ستقول
لها هذه في مقابل نصيحة وكان يكفي وقتها الصمت. فمنذ تلك اللحظة لم تعود تقبل
الجميع في حياتها ولم يكن لها أي أحاديث جانبية مع أي شخص ولم يكن لها أصدقاء
مقربين سوى الأطفال ونفسها.
Commentaires
Enregistrer un commentaire