Article المقال ( Août )



 مقال      

 

 

طه الغريب

تأليف محمد صادق



بقلم : ليليان هانى


 

في كل لحظة تمر في حياة الإنسان يتعلم فيها شئ جديد, ربما كان يدركه من ذي قبل أو لربما كان شيئا جديدا ,و لكنه في جميع الأحوال يتعلم.

و من أعظم ما قد يتعلمه المرء في هذه الحياة هي القراءة, لذا فإن كنت قادرا على قراءة هذا المقال إعلم أنك قد امتلكت الان ما يؤهلك لمعرفة كل ما تريد , أما إذا كنت تهوى القراءة فهنيئا لك لقد امتلكت حيوات فوق تلك التي تمتلكها الان.

يقول العقاد 

: "أهوى القراءة لان عندي حياة واحدة, وحياة واحدة لا تكفيني, و القراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة, لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق".


و أظن أن رحلة القراءة تبدأ معنا من محاولة فهم فعل القراءة, و كل ما يتعلق بها. حيث كانت تلك أول رحلاتي في هذا العالم و التي استطاعت رواية طه الغريب منحي إياها.

عادة يعطي القارئ الاهتمام الاول لمحتوى الرواية- ولا ريب في ذلك بالطبع- و لكنه لا يعلم مدى ارتباط الغلاف بالمحتوى خاصة في حالة

"طه الغريب". 

 

تتميز تلك الرواية بتناقض غلافها بأولى صفحاتها, حيث يعطيك الغلاف بكل ما يحتويه من ألوان و كلمات و الشكل العام ذلك الشعور بالغموض و احتواء الرواية لحدث مؤلم و قد يكون غير متوقع و بالفعل هذا ما تقدمه الرواية.

يتمحور بعدها سؤال " أين التناقض؟" , يلاحظ التناقض في أولى صفحات الرواية حيث تعتقد أنك ستكون أمام نموذج نمطي و متوقع للروايات الرومانسية, لذلك في حالة عدم إعطاء القارئ الاهتمام للغلاف فلا أستبعد تركه لها في الفور و بناء أراء خاطئة عنها.

حيث سرعان ما تصبح الأحداث غير إعتيادية و مع استخدام طريقة السرد لدى الكاتب و إعطائه عناوين لكل فصل تزيد منها تشويقا و تزيد منك تركيزا و خلقك لوقت إضافي حتى تممها.

فلا تستطيع القفز من فصل لأخر و لا تستطيع أن تكون صورة لنهايتها حتى و إن كانت أحداثها تتجلى أمامك كخريطة.

تشابكات و أحداث لا يوجد لها تفسير, المتعة لا تفارقك أثناء القراءة و يحاول عقلك استكمال الصورة فتفاجئك الرواية بما هو غير متوقع.

أما من ناحية الكتابة , استطاع محمد صادق أن يدمج بين اللغة العربية الفصحى و اللغة العامية بشكل فني جديد , لا أذكر أنني رأيت رواية تجمع بين الاتنين كتلك.

كما ظهرت ضمن طريقة السرد العديد من التعبيرات العامة و التي بفضل الكاتب لم تؤثر على رونق الحوار.

و مع استمرار الكاتب في ابهار القارئ من حيث اللغة ومن حيث الشخصيات و تطوراتها عبر احداث الرواية.

لم يكتف محمد صادق بالتركيز على ادق التفاصيل في الرواية فقط بل اضاف مقطعا منها يشرح فيه بالتفصيل شخصية البطل و ليس عن طريق راو بل عن طريق البطل نفسه :

" أحتقرهم لسطحيتهم و برود مشاعرهم..أحتقر كل من سمح بقتل شئ جميل داخله ليستمر في هذه الدنيا كما يريدها الناس أن تكون..كلهم يسعون لأن يعيشوا فقط..لا داعي للأحلام لأنها لا تؤكل العيش..فتجدين نفسك بلا أيه ميزة إلا أنك كررت مسيرة حياة كل من سبقوك..و عندما تحلمين..تجدين ألف من يخبروك بأنك بلا فائدة..و كل ما تفعلينه هراء في هراء..و دعك من الأوهام و ادخل في الواقع..كأنهم كلهم فهموا فلسفة الكون و انت الأبله الذي ما زال يحلم كطفل..أحتقر كل من أصبح مثل أي شخص اخر بلا أيه ميزة..ثم ابتسم بغتة قائلا: تخيلي أن أصعد المسرح فقط لأقول لهم..و صمت لحظات مفكرا, ثم قال مبتسما: لكم كثير احتقاراتي ."

قد لا تؤثر الأحداث الأخيرة المذكورة في الرواية ساكنا في قلب القارئ أو حتي عينيه و لكن فقط الأحداث الإنسانية هي التي ستجبر القارئ للتختلي عن ثوب الناقد أو المحقق أو الباحث عن الثغرات و الأخطاء للرواية.

"طه الغريب" أولى روايات الكاتب محمد صادق ,التي لم تلق التقدير الكافي حينها و لكنها لاقته فيما بعد و لسوف تلقى المزيد.

 

بعيدا عن ما قدمه الكاتب محمد صادق من فن بداية من الغلاف إلى أخر كلمة إلا انه يقدم فكرة حطمت أجيال أي و هي استيقظ لواقعك بل و عش نفس الحياة التي مر بها من سبقوك .

للأسف لم يقتصر هذا الفكر على الأجيال الجديدة فقط بل جعلت القديمة تضع شروطا للحياة و لنقل العمل على سبيل المثال , إذا إنبعث موسيقار أو ممثل أو ممثل مسرحي أو كاتب و غيرها من المجالات لن يلقى مجالات متتعدة لتحقيق حلمه بل عليه أن يعود لأرض الواقع و أن يصبح محاسبا أو قاضيا أو محاميا أو طبيبا , المهم أن تكون إحدى المهن المتعارف عليها.

لذلك من السهل ان نري التناقض في المجتمع بوضوح , و على الجيل القادم أن يلغى تلك الأفكار التي جعلت من مجتمعنا مجتمع نمطى بحت و يفتقر إلى الموهوبين و ذوى المهارات بل يجعله أكثر حيوية و أكثر استقبالا لما يمتكله الكثيرون من المهارات المدفونة عن المجتمع.

 

 

 

 

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )