Article المقال ( Août )




 مقال       


مذكرات بائع السكاكر



بقلم : مريم بولس

 

 


- مرحباً مذكراتي، استوحشتني الكتابة فيكِ منذ البارحة. لماذا؟ لا أعلم بالتحديد. و لكن ربما لأن الكتابة فيكِ تُشعرني بالأمان ثانيةً، أنني في البيت، وحدي، و لا أحد يمكنه التعرض لي بقلة الذوق، على الأقل حتى الغد.

 

اليوم كان يوماً عادياً، غير أنني طردت من العمل، تقريباً. سأحكي لكِ يا مذكراتي. كنت واقف في "المحل" كالعادة، و دخلت بنت بواب الجيران بخجل و في يدها ربع جنيه، تنظر إلى تلك الحلوى الملونة التي يجلبها عم عاطف من الصين غالباً، و تتردد في إعطاءي الربع جنيه مقابل أي واحدة منها. بدأت أتكلم معها و أشجعها أن تختار نوعاً منها و أنا سوف أدفع لها حقها؛ و هي ترفض بشدة و بعزة نفس كبيرة جداً لا تتناسب مع قطعة الحلوى، أياً يكن.

 

في تلك الأثناء دخل "المحل" شاب من عمري تقريباً، أسفي عليه و على عمره، يظهر من لغة جسده أنه أحد الشباب الذين يقولون عنهم "ولاد ناس" و هم ليسوا كذلك الذين يفتخرون بالكلمات المكتوبة على قمصانهم أكثر من إفتخارهم بتعليمهم، و يخرجون المئات و الآلاف من محافظهم و لكنهم لا يقدرون أن يكتبون بضع جمل صغيرة بدون أخطاء إملائية و نحوية، و يملكون كل مكان و لكنهم لا يعرفون أن يديروا حياتهم حتى. على أي حال، دخل الفتى كأنه "محل أبوه" يصرخ في وجهي ملوحاً بيديه :"عايز سجاير كذا". تمالكت أعصابي كثيراً بالطبع حتى لا يُقطع عيشي، قائلاً له "حاضر"، و نظرت للطفلة حتى لا أجعلها تقف تائهة قائلاً لها "سأجلب للأخ شيئاً و أعود لكِ يا حلوة"...

 

نظرت و إذ ال"بيه متعصب"، و بدأ يشتمني عند العم عاطف قائلاً "شوف الحيوانات اللي مشغلها عندك" فقلت له على الفور "يا أستاذ، أنا خريج باكلوريوس تجارة، أنا اللي حيوان ولا إنت؟".. لا أعرف ماذا حدث و لكني عدت لوعيي و نحن في نصف الشارع و كل مار يشاهدنا قليلاً و نحن نتبادل السباب واحدة بواحدة، لم يسعفني قاموسي كثيراً و لكن على قدر طاقتي حاولت مجابهته. و لم يفض تلك ال"لمة"، إلا عم عاطف يطردني من "المحل"، و يعتذر متذللاً لذلك الأبله الذي فهمت لاحقاً أنه حفيد صاحب العمارة.

 

لا تقلقي يا مذكراتي العزيزة فعم عاطف رجل طيب، سيتركني يومين ثم يهاتفني و يعطيني "كلمتين في جنابي" و يعيدني للعمل، و لكني أبداً لن أنسى ذلك الجاهل و أشباهه، الذين يقيمون القيامة إذا شعروا أن أحدنا يتجاهلهم قليلاً، أو يؤخرهم، أو حتى ينظر للفراغ بطريقة لا تروقهم. الذين يفرحون كثيراً لإمتلاكهم مالاً، حتى أنهم يظنون أنهم سيشترون الناس بها. على أي حال، ربنا يسامح.

 

              إلى الغد يا مذكراتي،،


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Poème ( Avril )

Poème ( Avril )

La Nouvelle القصة القصيرة ( Octobre )