Article المقال ( Juillet )
إلى إبنتي المستقبلية
مرحباً
يا حبيبتي، سأكون خفيفة عليكِ اليوم بقصتين من طفولتي فيهما عبرة ربما يملآن قلبك
بالطمأنينة يوماً ما. و أنا في المدرسة الإعدادية، كان لدي زميلة لم تكن على شكلي
تماماً، فلم أحاول أبداً أن نكون أصدقاء. كانت الفتاة تحاول دائماً جذب إنتباه
الجميع، خصوصاً إنتباه الفتيان الصغار الذين كانوا معنا في الفصل. كانت دائمة
الكلام عن أي فتى صادقت و أي فتى خدعها و صادق الأخريات معها كما هو شائع في هذا
السن. كما كانت أيضاً كثيرة الكلام عن شكلها، و شكل جسدها، و كيف أنها تحتاج
للتخسيس و التغيير في كل جزء فيها على حدى. لم أفهم تماماً لماذا هذه الفتاة مهتمة
كثيراً بنقصان وزنها خاصة أنها كانت في ذلك الوقت في وزن طبيعي، تشبه معظم فتيات
سننا. و لكنها كانت مهتمة كثيراً بجسدها حتى أنها لجأت لإحدى حميات التجويع
المنتشرة آنذاك، لتصبع في النهاية شخص نحيل، كما حلمت.
القصة
الثانية في المدرسة الثانوية، عندما تعرفت على فتاة أكبر مني بسنة، كنت دائماً
أراها من بعيد. كانت تلك الفتاة ذات وزن زائد جداً، حتى أنهم كانوا يضطرون لتفصيل
زي مدرسي مخصوص لأجلها. كنت دائمة الحذر و أنا أتكلم معها حتى لا أجرح مشاعرها
بخصوص هذا الأمر بأي أسلوب مقصود أو غير مقصود. و لكنها لم تكن كما توقعت على
الإطلاق! لقد كانت جميلة الإبتسامة، ذات قلب ذهبي مرح، لطيفة لا يقدر على معاداتها
أحد، و الغريب أنها كانت إحدى أكثر صديقاتي أناقة و إهتماماً بشكلها، لا بكيف تغير
نفسها لشخص آخر، بل كيف تدلل الشخص الحالي حتى يخرج في كل صباح منها شخص أفضل!
قصدت
يا صغيرتي بهاتين القصتين إلقاء الضوء على ما يسمى بال”body shaming” أو
بتشويه صورة الجسم من خلال مثالين تعاملا مع مشكلة (من وجهة نظر كليهما) واحدة
قررت سجن نفسها في جسدها و الأخرى قررت أن تعيش و لا تدع أي شيء يعوقها. واحدة
وضعت في عقلها أن الحياة هي الجسد، و السعادة هي الجسد، و الهدف هو الجسد، و
الأخرى وضعت الجسد في قائمة طويلة بأشياء أخرى مهمة في حياتها. واحدة قررت أن تدمر
كل شيء آخر، حالتها النفسية، دراستها، قلبها، كل شيء من أجل جسدها الذي سيموت و
يفنى، و الأخرى وازنت في أولويات حياتها حتى لا تُجن.
في
فترة المراهقة، ستجدين كثيرات ممن حولك يحرمون أنفسهم من بعض الأكلات، يتباهون كل
واحدة بمقاس ملابسها و بصغر خصرها ..إلخ، ستجديهم يعظمون هذا الموضوع كثيراً، و
ستجدين نفسك تحزنين و تغيرين أحياناً ممن دعاهم المجتمع بمن يملكون جسماً أفضل من
جسمك. ستحزنين، ربما ستبكين، و ستجرين وراء حمياتهم الغبية، و شروطهم الغريبة، و
أعدك يا صغيرتي مع الأسف، أنه مهما فعلت لن ترضي عن نفسك ! لأنه دائماً ما سيكون
شيء ناقص، إذا قللت وزنك فلديك stretch marks،
إذا
أخفيتيها ستكونين مترهلة، إن كنت رياضية فلديك عضلات كالرجال، إن لم يكن لديك
ستحتاجين تنحيف للخصر و تكبير لأشياء أخرى... لن تكوني كاملة مهما فعلت، ربما لأن
الفكرة ليست في ماذا تفعلين لتصلي لشكل مثالي، بل السؤال الحقيقي هو من يضع قانون
الشكل المثالي؟؟
ذلك
يا سكرتي سؤال ليس عندي إجابة عنه. قالوا شركات الملابس المشهورة و لكني لا أعتقد.
و لكني أعلم يقيناً أنه شخص يريد فرض نفسه على حساب نفسيات الآخرين، شخص في مقام
القاتل، و لكنه للأسف لا يعلم لأنه أيضاً لديه نقص كبير في حياته حتى يعوضه بفرط
الإهتمام بجسده. على أي حال يا صغيرتي و كما أقول لكِ دائماً، مهما كان شكلك سأكون
دائماً معك، سنأكل سوياً أكلاً صحياً و لكننا لن نجري وراء هواجس الوزن الزائد،
سنتمتع بتحريك أجسادنا في رياضة نحبها و نتسلى بها و لكننا لن ننظر للمرآة كل
ثانية لنرى ما إذا كنا "في الشكل" أم مازال أمامنا قليلاً. ستكون لدينا
حياة، لن يكون لدينا جسد و حسب!
دمت
واضحة الأولويات يا سكرتي،،
Commentaires
Enregistrer un commentaire