La Nouvelle القصة القصيرة. ( Juin )




    قصة قصيرة    

سارة

" الجزء الأول "

بقلم : بيشوى فوزى 


 

" سارة " .. سارة الرقيقة كحلم رطب في ليلة حارة ..الطيبه كزهرة بنفسج وسط قطيع من الصبار ..الجميله   كأفروديت في عيد الآلهة ..

  .." سارة " ..سارة الهشة كورقة صفراء في مهب ريح عاتية

النسيم حين يُلاطِف قطرات مُتناثرة من موجات بحر متناغمة لتُداعِب وجنتيك، هو سارة 

الشهيق الذي يملأ رئيتك ليهبك الحياة بعد شعور بالاختناق كالموت.. هو سارة 

الجميلة الرائعة الهائمة الشقية الضاحكة الحزينة المستبدة المستحيلة.. سارة

لكنها لم تعد موجودة.. من ؟؟ ..

سارة طبعًا...

حسنًا.. من هي سارة ؟؟.. حسنًا ..دعني أحكي لك.

************************** 

كانت بعثة علمية لإحدى الدول الأورُبية.. تحديدًا لندن.. لم تكُن تلك المرة الأولى التي زُرتها.. فقد سبق أن زُرتها منذ ثلاث سنوات

ساعة بيج بن.. المتحف البريطاني.. كاتدرائية سانت پول.. دار الأوبرا الملكية.. وكل تلك المعالم التي تحفل بها عاصمة الضباب كما يطلق عليها الغربيون

يعتقد البعض أن هذا الاسم نتيجة وجود ضباب هائل يُحيط بالعاصمة الآن.. لكن الحقيقة هو أنه كان مُعتاد قديمًا إشعال الخشب كمصدر للطاقة قبل الثورة الصناعية بإنجلترا، وكان هذا الدخان كثيرًا ما يختلط مع ضباب الشتاء، ليصنع ضباب كثيف تنعدم به الرؤية.. 

ما علينا ..هذا ليس موضوعنا ..

انتهيت من ذلك المؤتمر العلمي ..إن العلم جميل ..ولكن جرعة كثيفة منه كتلك التي يحقنوننا بها في مثل تلك المؤتمرات ربما لها مفعول الأقماع بالنسبة إليك ..هذا لو كنت ممن يكرهون الأقماع.

انتهى اليوم الثاني.. حان الآن موعد العودة إلى الفندق.. ربما لأنال قسطًا من الراحهة.. ثم أنزل لأرى المدينة ليلًا..

لم أكُن ممن يهوون العودة من ذات الطريق كل مرة.. كنت أحب أن أُجرب طرقًا كثيرة .. 

لهذا كنت أسلك هذا الطريق المُظلِم.. الشمس تميل لأن تتسلم وظيفتها في النصف الثاني من الكرة الأرضية.. بينما يستعد الليل كي يسهر على حراسة نجومه..

الطريق قد صار مظلم كقلب أحد الكُفار.. ربما كنت أسير في لندن القديمة..

يقولون بأن أساسها لا يزال كما هو منذ أكثر من مئة عام، حتى أن مياه الشرب به ربما تكون مُسممة لقِدم المواسير؛ لهذا ممنوع الشرب من هذه الأحياء 

أنا لا أعرف.. فقط أسير كالنعجة التي تبحث عن راعيها.. أتشمم أي رائحة تقودني لشارع رئيسي..

حسنًا.. لا مفر.. لابد من العودة حيث أتيت لأُجرِّب طريقًا مضمونًا..

المشكلة الآن هي أنني لا أعرف طريق العودة !

فجأة قل عدد المساكن.. ابتدأت بعض الأراضي القاحلة في الظهور.. هناك هواء بدأ يظهر من العدم ليضرب وجنتاي..

هناك بعض الحشائش في الأرض..

كل هذا جميل.. ولكن أين أنا ؟؟؟

أنظر إلى ساعتي لأعرف بأنني قد تأخرت ..

من حُسن حظي أنني لستُ في مصر، وإلا خرج الجميع للبحث عني في أقسام البوليس والمُستشفيات والمشارِح.. رُبما لو ذهبت الي كوالالامبور لوجدونني.. لكن في تلك البقعة.. أشُك.. 

هُنا رأيتها !

كانت نحيلة... واهنة كعود خشبي يوشك على أن ينثني.. وجهها أبيض يمتزج به شحوب وكأنها مُصابة بفقر دم منذ ثلاث سنوات.. شعرها أشقر كجدايل من الذهب الخالص..

نحن في لندن حيث الجمال الڤيكتوري النحيل الواهن الذي أرى فيه سحرًا لا تملكه صاحبات البشرة الوردية الخوخية في بلادنا..

لو أنك من مُحبي ذلك الجمال الڤيكتوري العتيق _مثلي_  فسوف تراها فاتنة بحق.

اقتربت مني ببطء والهواء يداعب جدائلها في نعومة ..لم أكن أعرف أن مثل هذا الشعر له وجودًا من قبل ..ظننته يقتصر على جميلات هوليوود فقط .

- "مرحبًا"

قالتها بصوت تتفجر له البراكين من سحره فقلت لها بتلعثُم

- "هاي.. أأنتِ من.. من هُنا ؟! "

- "أجل"

البراكين تتفجر مرة أخرى لأقول:

- "لقد ضللت طريقي.. لا أعرف طريق العوده إلى وسط المدينة.. أنا لست من هُنا"

هدأت البراكين لصمتها ثُم عادت تتفجر من جديد:

- "..أعرف ..لا عليك ..اسمي سارة ..سارة برنارد..يمكنني أن أُرشدك إلى الطريق.. فقط هناك شرط واحد"

لو قالت لي أن هذا الشرط هو أن أذهب إلى الغول الذي يسكن في جبل عملاق تحرسه وحوش أسطورية لأُحضِر من عنده ريشة من قبعته، لوافقت دون أدنى تردد..

- "أنا اشعر بالبرد"

هنا لاحظت أنها تُمسِك كتفيها وترتعش.. لم يكُن الجو باردًا لكنه لم يكُن حارًا.. فتاة كهذه بشحوبها هي حتمًا سوف تشعر بأن الحر ما هو إلا موجة صقيع بالنسبة لها..

سألتها في غباء:

"أتشعرين بالبرد؟؟"

ابتسمت في شحوب وكإنها الجنة تفتح أبوابها:

- "أنا أموت من البرد"

وكأي چنتل مان حقيقي نزعت معطفي في سرعة ووضعته عليها.. أنا أفعل كما على الرجل فعله..

- "شكرًا"

قالتها وكأن زهور الربيع قد تفتحت في خريف سقيم 

- "يمكنك الآن أن تُواصِل طريقك في ذلك الشارع القادم يسارًا لتجِد في نهايته محطة المترو"

- "حقًا"

قلتها كالأبله ثم استدركت:

- "حسنًا سوف أذهب.. يبدو أنني قد عرفت الطريق ..سوف أمُر من هُنا غدًا"

ربما كنت چنتل مان ولكني لستُ مُتبرِعًا بمعاطفي ..هذا المِعطف قد كلفني الكثير ولستُ مُستعِدًا لأن أتنازل عنه لأي فتاة لمُجرد أنها تُدعى سارة ..

- "أنا أموت من البرد

قالتها مرة أُخرى ثم ولتني ظهرها ورحلت في اتجاه الأرض القاحلة

هُنا أدركت أمرًا.. رُبما كانت سارة هذه جميلة وفاتنة بالنسبة إليّ.. ولكنها لا تزال ترتدي معطفي الذي يحتوي على كل أوراقي ونقودي.

أخذت تسير ثم سرعت خطواتها حتى صارت أقرب إلى العدو وهي تصرُخ..

- "أنا أموت من البرد.. أنا أموت من البرد"

ثم أخذت تعدو..

لم أتمالك نفسي من هذا التغيُّر العجيب.. فقط ما يهُمني الآن هو المعطف بما يحويه من مُتعلقات شخصية..

رغم شحوبها إلا إنها كانت سريعة للغاية.. استطعتُ اللحاق بها بعد أن عدوت خلفها لما يقرب من عشر دقائق

اقتربتُ منها أكثر وقد رأيتها جالسة وقد وضعت وجهها في الأرض بين رجليها، وسمِعتُ صوت بُكاء قادم منها.. اقتربتُ أكثر فأكثر.

ثم لاحظت شيئًا غريبًا 

هذه كانت مقبرة..

مقبرة تحوي الكثير من الشواهد لأُناس قد فارقوا الحياة..

هذه مقبرة كما تراها في الأفلام الأجنبية بالضبط.

بدأت أشعُر بتوتر.. إن سارة هذه بالفعل جميلة ..ولكنها مُخيفة أكثر..

رويدًا رويدًا اقتربتُ حتى صرت على مسافة ما يقرُب من النصف متر..

"هىء ..هىء ..هىء"

كان هذا صوت بكائها.. تبكي بصوت مُنخفِض..

سمعتها تقول  بلهجة حزينة:

- "لِما قد صار الجو حزينًا ؟؟.. لماذا لم تأتِ يا إدوراد ؟!... لماذا قتلتني يا إدوارد ؟... سوف أموت بردًا يا إدوارد"

ثم واصلت البُكاء

اقتربتُ منها وانحنيت لها محاولًا أن أرفع رأسها التي أخفته بين رجليها لتجهش بالبُكاء..

 هنا لمحت شيئًا غريبًا.. لقد كانت تستند على صخرة هي شاهدٌ لقبر..

تأملتُ الكلام المنحوت على تلك الصخرة على بصيص القمر الشاحب..

كان مكتوبًا 

"سارة برنارد 

لترقد في الرب

1990-2012"

...


..... يتبع 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Article المقال ( Septembre )

Article المقال ( Octobre )

Article المقال ( Septembre )